للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وإني لَمَّا نشأتُ بيْنَ كَراسي العُلماء الأكابر، وتربيتُ بَيْنَ عيون أهل البصائر، وَرَتَبْتُ رُتُوبَ الكَعْب في مجالسةِ فُضلاءِ السادة، وثبتُّ ثبوتَ القُطب في مجالس العلم والإفادة، ولم أزل منذ عرفتُ شِمالي من يميني، مشمراً في طلبِ معرفةِ ديني، أتنقَّل (١) في تربية الشيوخ من قُدوة إلى قُدوة، وأتوقل (٢) في مدارس العلوم من ربْوَةٍ إلى ربْوَة، وَأمُتُّ إِلى الأصول النبوية بعروق مباركة، وآمُلُ في دعواتهم لِذُرِّيَّاتهِم أن تَشمَلَني منها بَرَكة.

ولم يَزَل يَرَاعِي بلطائف الفوائد نواطِفَ، وبناني للطف المعارف قَواطف. لم يكن -حتماً- أن يرجِعَ طرف نظري عن المعارف خاسئاً حسِيراً، ولم يجب -قطعاً- أن يعودَ جناحُ طلبي للفوائد مهيضاً كَسِيراً، ولم يكن بِدْعاً أن أتَنسَّم من أعطارها روائح، وأتَبصَّرَ من أنوارها لوائح.

وإنَّ جماعةً نَسبوني إلى دعوى كبيرةٍ، وأُمور كثيرةٍ، فاعْتَذَرْتُهم فما عذروا، بل لاموا وعذَلوا، وجاروا وما عَدَلُوا، فصبرْت على الأذى، وعلمتُ أن الناس ما زالوا هكذا.

إلا أنَّه لمَّا كَثُرَ الكلامُ وطالَ، واتَّسعَ القيلُ والقال، جاءتني "رسالة " مُحبَّرة، واعتراضاتٌ مُحرَّرة، مشتملة على الزواجر والعظات، والتنبيه بالكلم المُوقظات، وأهلاً بمنْ أهدى النصيحَةَ، فقد جاء الترغيبُ إلى ذلك في الأحاديث الصحيحة (٣)، وليس بضائرٍ -إن شاء الله- ما


(١) في (ب): انتقل.
(٢) يقال: توقل في الجبل إذا صَعْد فيه.
(٣) أي: الترغيب في النصيحة، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: " الدين النصيحة ... " وقد تقدم تخريجه ص (٢١٤ - ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>