للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد: فإن هذا تأويلٌ بخلاف تأويل المفسرين، فلا يقبل على أنه كما لا تحيط به الأبصار، فكذلك لا يحيط هو (١) بالأبصار، لأن المانع عن ذلك في الموضعين واحدٌ، فلا يجوز حمل الإدراك المذكور في الآية على الإحاطة لهذه الوجوه.

فإن قيل: لا تَعَلُّق لكم بالظاهر، لأن الذي يقتضيه الظاهر أن الأبصار لا تراه، ونحن كذلك نقول.

قيل له: إن الله تعالى تمدَّح بنفي الرؤية عن نفسه، فلا بُدَّ أن يحمل على وجهٍ تقعُ فيه البينونة (٢) بينه وبين غيره من الذوات حتى يدخل في باب التَّمدُّح، ولا تقع البينونة بينه وبين غيره من الذوات (٣)، بهذا الذي ذكرتموه لأن الأبصار كما لا تراه فكذلك لا ترى غيره.

وبعد، فإن المراد بالأبصار: المبصرون، إلاَّ أنه تعالى علَّق (٤) الإدراك بما هو آلةٌ فيه وعنى به الجملة.

ألا ترى أنهم يقولون: مشتْ رجلي، وكتبتْ يدي، وسمعت أُذني، ويريدون الجملة، وعلى هذا المثل السائر: يداك أو كتا وفُوك نَفَخَ (٥). ثم إن لتعليق الشيء بما هو آلة فيه فائدةٌ ظاهرةٌ، لا تحصل تلك الفائدة إذا علقت بالجملة.


(١) في (د): هو لا يحيط.
(٢) في (د): " به البينونة "، وفي (ج): " البينونة به ".
(٣) من قوله: " حتى يدخل " إلى هنا ساقط من (أ) و (د).
(٤) في (أ) و (ج): إلى ذاته تعالى على.
(٥) في " فصل المقال " ص ٤٥٨، و" المستقصى " ٢/ ٤١٠، و" مجمع الأمثال " ص ٤١٤: أصله أن رجلاً كان في جزيرة من جزائر البحر، فأراد أن يَعْبُرَ على زِقٍّ نفخ فيه، فلم يُحسن إحكامه، حتى إذا توسَّط البحر خرجت منه الريح، فغرق، فلما غشيه الموت استغاث برجل، فقال له: يداك أوكتا وفوك نفخ.
وثمت سبب آخر لهذا المثل أورده البكري، فانظره فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>