للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قالوا: أليس أنه قال تعالى حاكياً عن اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: ٩٥] أي: لا يتمنَّون الموت، ثم قال حاكياً عليهم: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: ٧٧]، فكيف يقال: إن " لن " موضوعٌ للتأبيد؟

قلنا: إن " لن " موضوعةٌ للتأبيد، ثم ليس يجب أن لا يصح استعماله إلاَّ حقيقة، بل لا يمتنعُ أن يستعمل مجازاً، وصار الحال فيه كالحال في قولهم: أسدٌ، وخنزيرٌ، وحمارٌ، فكما أن موضوعها (١) وحقيقتها لحيوانات مخصوصةٍ، ثم يُستعمل في غيرها على سبيل التوسع والمجاز، واستعمالهم في غيرها لا يقدح في حقيقتها، كذلك ها هنا.

والوجه الثاني من الاستدلال بهذه الآية: هو أنه تعالى قال: {لن تراني ولكن انظُر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني} علَّق الرؤية باستقرار الجبل، فلا يخلو: إما أن يكون علَّق الرؤية باستقراره بعد تحرُّكه وتَدَكْدُكِهِ، أو علَّقها به حال تحرُّكه، لا يجوز أن تكون الرؤية قد علقها باستقرار الجبل بعد تحركه، لأن الجبل قد استقر، ولم ير موسى ربَّه، فيجب أن يكون قد علق الرؤية باستقرار الجبل حال تحركه، دالاً بذلك على أن الرؤية مستحيلة عليه، كاستحالة استقرار الجبل حال تحركه. ويكون هذا بمنزلة قوله: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: ٤٠]، وأشباهه.

ومما يتعلقون به: قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يومَ يَلْقَوْنَهُ سلامٌ} [الأحزاب: ٤٤]، وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: ١١٠]، إلى غير ذلك من الآيات التي فيها ذِكْرُ اللقاء، والأصل في الجواب (٢) عن ذلك أن اللقاء ليس (٣) هو بمعنى الرؤية، ولهذا استُعمل (٤) أحدهما حيث


(١) في (أ): موضوعه.
(٢) شطح قلم الناسخ في (ب)، فكتبها: اللقاء.
(٣) ساقطة من (ب).
(٤) في (ب) و (ج): يستعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>