للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُجمعون على القول بصحة القدر، مع نفي أكثرهم للجبر، وتفسير أهل الجبر له بما يبقى معه الاختيار، فدل هذا على الفرق بين القدر والجبر عندهم وعند غيرهم. والفرقُ بينهما في غاية الوضوح لأهل العلم، وممن نصَّ على إثبات القَدَرِ ونفي الجبر: الخطَّابي في " معالم السنن " والنواوي في " شرح مسلم "، وأبو السَّعادات ابن الأثير في " جامع الأصول " وغيرهم. هذا في الكتب الموجودة في ديار الزيدية. وسيأتي في الوهم التاسع والعشرين ذكر أدلتهم على إبطال الجبر، بل ذكر دعواهم الضرورة في بُطلانه، بل تكفير جماعة منهم للقائل به.

وبيان الوهم في كلام السيد أنه إمَّا أن يأخذ الجبر من قول (١) البخاري، " وليس فيه حجة لأهل القدر " أو من تأويل الآية، إن كان الأول، فهو لا يدلُّ على ما ذكره، وذلك لأن القدرية الخُلَّصَ عند المحدثين هم (٢) الذين يقولون: إن الله تعالي لا يعلمُ الغيب على ما ذكره النواوي في " شرح مسلم " والخطابي وغيرهما، لأنهم فسروا القدر بعلم الله السابق من غير إجبارٍ، وفسَّروا القدرية بمنكري ذلك (٣)، فصرَّحوا بذلك كلِّه. فالبخاري ردَّ على هؤلاء الذين يقولون: إن الله لا يعلم الغيب، وسمَّاهم أهل القدر (٤)، لأن الآية من أعظم شُبَهِهِم، لأنهم يقولون: لا يصحُّ من القديم (٥) إرادة ما يعلم أنه لا يحصل. والآية عندهم تدل على أن الله أراد العبادة من الكُفَّار، والضرورة تدل على أن العبادة ما حصلت (٦) منهم، فدلَّتِ الآية عندهم على أن الله ما علم أن الكفار يُصرُّون على الكفر، ويموتون عليه. ولما كانت طوائف الأشعرية الأربع، وأهل الحديث يُوافقون القدريَّة على أن الله لا يصحُّ أن يُريد ما يعلم أنه لا يقع، احتاجوا إلى تأويل الآية على معنى لا يلزم معه (٧) ما توهمَّت القدرية، فمنهم من قال


(١) في (د): كلام.
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) من قوله: " والخطابي " إلى هنا ساقط من (ب).
(٤) من قوله: " الذين يقولون " إلى هنا ساقط من (د).
(٥) قوله: " من القديم " ساقط من (ب).
(٦) في (ش): لم تحصل.
(٧) في (ش): منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>