للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتخصيص الآية، ورجَّحوا التخصيص، لأنه لازمٌ على جميع المذاهب كما سيأتي بيانه، وهو الذي اختاره البخاريُّ. ومعنى التخصيص عند هذه الطائفة أن معنى الآية: ما خلقت أهل الإيمان من الجن والإنس إلاَّ لذلك، كما في قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: ٦] أي: يشرب بها المقرَّبون من عباد الله، وكما تخصُّ المعتزلة والقدرية من ذلك الأطفال والمجانين من الأعيان، وأحوال النوم، والنسيان، وما بعد الموت من الأزمان، فعلى هذا التأويل يقول البخاري: ليس لمن قال: إن الله لا يعلم الغيب حجة في نفس الآية الذي (١) لا يحتمل (٢) التأويل، ويُنسب منكره إلى تكذيب السمع، والكفر بما قال، بل هي عمومٌ يجوزُ تخصيصه بالأدلة المنفصلة عنه من العقل والسمع، والقدرية ممن تُخصِّصُه (٣) كما تقدم، فليس فيه حجة لهم على من وافقهم من أهل السنة على أن الله لا يريد ما يعلم أنه لا يقع.

ومن أهل السنة من اختار أن الآية على عمومها، ولكن التقدير فيها لطلب أن " يعبدون ". فإن الله طلب العبادة من الكفار، وأمرهم بها إجماعاً، وليس التقدير لإرادة أن " يعبدون ". ورجحوا هذا بوجهين:

الأول: أنه لا يخرج الآية إلى التجويز (٤) بخلاف التخصيص، فإن إطلاق العامِّ على الخاصِّ مجازٌ.

الثاني: أن حمل الآية على أمرٍ معلومٍ من الذين مُجْمَعٌ عليه عند فرق المسلمين (٥) أولى من أمرٍ على خلاف ذلك، وليس في هذا إلاَّ استعمال (٦) لام " كي " في موضع الطلب، وهو صحيحٌ لا مانع منه، لأنه يُستعمل في موضع الإرادة، والإرادة (٧) تُستعمل في الأمر عند شيوخ المعتزلة البغدادية، كما سيأتي


(١) في (د): التي.
(٢) في (ب) و (د): تحتمل.
(٣) من قوله: " بالأدلة المنفصلة " إلى هنا ساقط من (ب).
(٤) في (ش) و (د): التجّوز.
(٥) في (ب): المؤمنين.
(٦) في (أ): " وليس في هذا الاستعمال لام " وفي (ب) و (ش): " .. استعمال .. ".
(٧) ساقطة من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>