للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُحرَّمة، فقتل به مؤمناً، أما يُطْبِقُ العقلاء على ذم الواهب وتعنيفه والدَّقِّ في فَرْوَتِه كما يذُمُّون القاتل، بل إنحاؤهم باللوائم على الواهب أشد.

قلت: قد علمنا أن الله حكيمٌ عالمٌ بقُبح القبيح، عالمٌ بغناه عنه، فقد علمنا أن أفعاله كُلَّها حسنةٌ، وخلق فاعل القبيح فعله، فوجب أن يكون حسناً، وأن يكون له وجه حسن، وعَدَمُ عِلْمِنِا لا يقدح في حُسِنه، كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلُنا بداعي الحكمة إلى (١) خلقها. انتهى بحروفه (٢).

وفي قوله: ما دعا الحكيم (٣) إلى خلقهم مع علمه بما (٤) يكون منهم، إشارةٌ إلى قول أهل السنة: إن الإرادة لا يَصِحُّ توجُّهُها إلى تحصيل ما منع منه علم الغيب من حصوله.

فإن ادَّعت المعتزلة أن وجه الحكمة في خلق من سبق العلم بأنهم من أهل


(١) في (أ): " وخلقها "، وهو خطأ.
(٢) قال الإمام ناصر الدين أحمد بن المنير في " الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال " ٤/ ١١٣ معقباً عليه: لقد ركب عمياء، وخبط خبط عشواء، واقتحم وعراً، السالك فيه هالك، والعابرُ فيه عاثر، وإنما ينصب إلى مهاوي الأراك، ويحوم حول مراتع الأشراك، ويبحث، ولكن على حتفه بظلفه، ويتحذق وما هو إلاَّ يتشدَّق، ويتحقق وما هو إلا يتفسق، وهب أنه أعرض عن الأدلة العقلية والنصوص النقلية المتضافرة على أن الله تعالى خالق كل شيء، واطرد له في الشاهد ما ادعاه، ومن مذهبه قياس الغائب على الشاهد، قد التجأ إلى الاعتراف بأن الله خالق العبد الفاعل للقبيح، وأن خلق العبد الفاعل للقبيح بمثابة إعطاء السيف الباتر للرجل الفاجر، وأن هذا قبيح شاهداً، ولا يلزم أن يكون مثله قبيحاً في خلق الله تعالى، أفلا يجوز أن يكون منطوياً على حكمة استأثر الله تعالى بعلمها، فما يؤمنه من دعوى أن أفعال العبد وإن استقبحها العقلاء مخلوقة لله تعالى، وفي خلقها حكمة استأثر الله بعلمها، وهل الفرق إذا إلاَّ عين التحكم ونفس اتباع الهوى هذا ودون تمكنه من اتباع هده القواعد أن يمكن من القتاد اختراط، ومن الجمل أن يلج في سم الخياط.
(٣) ساقطة من (ش).
(٤) في (ش): ما.

<<  <  ج: ص:  >  >>