للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا أنه أولى من حصول ضدِّ غاية مقصوده، ونقيض منتهى مراده فمما لا يختلف فيه، أفما كان علمه الغيب بما يصيرون إليه من عظيم المضارِّ الدائمة مع قصده زيادة الإحسان إليهم بخلق دواعي الشرور يكفيه صارفاً يقاوم داعي الإحسان إليهم بمجرد التعريض، ويعارضه حتى يَرُوحوا كَفَافاً لا لهم ولا عليهم. وما فائدة علم الغيب السابق إذا كان صاحبه يَقَعُ في نقيض مقصوده؟ تعالى الله عن ذلك.

وقد قال تعالى حاكياً (١) عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء} [الأعراف: ١٨٨]، وقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: ٤٤] فاحتجَّ على انتفاء العجز بمجموع صفتي العلم والقدرة، لأن القادر متى كان جاهلاً، فقد يفوته مراده بسبب جهله، والعالم متى كان عاجزاً، فاته مراده بسبب عجزه، ومن جمع تمام العلم وتمام القدرة، استحال أن يفوته مراده قطعاً عقلاً وسمعاً.

فدلَّ القرآن والبرهان على أن عالم الغيب كما لا يَمَسُّه السوء، كذلك لا يمسُّ من أراد نجاته من السوء، وكيف لا ينجو من السُّوء (٢) من أراد له عالم الغيب بلوغ أبلغ مراتب الفوز بالرضوان، والدوام في الجنان.

ويرد على اعتذارهم عن ذلك بوجوب العذاب لوجوب الصدق في الوعيد مع ما تقدم في ذلك من وجهٍ آخر جيدٍ جداً، وذلك أن الوعيد (٣) لم يَصدُر حتى


= ٣/ ٢٢٤، و" معجم مقاييس اللغة " لابن فارس ٢/ ٢٥، و" دلائل الإعجاز " للجرجاني ص، و" اللسان " (حنن)، وابن يعيش ١/ ١١٨، و" التصريح على التوضيح " ٢/ ٣٧، و" الهمع " ١/ ١٩٠، و" المستقصى في أمثال العرب " للزمخشري ٢/ ١٠، و" زهر الأكم " ١/ ١٩٧.
(١) ساقطة من (أ).
(٢) في (أ): أسوأ السوء.
(٣) من قوله: " مع ما تقدم " إلى هنا ساقط من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>