للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما نفي القدرة فإنه (١) صفة نقص لذاته، وليس يَحتمل أن يكون الله غير قادر لوجه حسن مثل ما يحتمل أن يكون (٢) مضلاًّ لوجهٍ حسن كما نبَّه عليه القرآن في قوله تعالى: {وما يُضِلُّ به إلاَّ الفاسقين} [البقرة: ٢٦] وأمثالها.

وقد أجمعُوا على جواز المتشابه الذي يدخله التأويل دون صفات النقص المَحضَةِ التي لا يُمكنَ مثل ذلك فيها، على أنه سوف يقوم الدليل على قدرة الله تعالى على هداية العُصاة اختياراً على قواعد المعتزلة من جهة تغيير البِنْية وترك الأسباب المضلةِ الزائدة على أصل التكليف، وغير ذلك كما يأتي بيانه بعون الله.

وثانيهما: تكلُّف تعيين ما أراده الله من ذلك بغير حجةٍ وذلك خطأ عقلاً وسمعاً.

أما العقل، فلأن المتأوِّل إما أن يقطع على أن تأويله هو مراد الله (٣)، وأنه لا يَصِحُّ تأويل سواه، فهذا خطأ، لأنه لا دليل على نفي ما عداه من التأويل.

وأقصى ما في الباب أنه طلب سواه فلم يَجِدْ، لكنَّ عدمَ وجدان الطالب لا يستلزم عدم المطلوب في نفس الأمر عند الله، وكم من طالبٍ لأمرٍ لا يجدُه المدة الطويلة، ثم يجدُه هو أو غيره، وإن لم يقطع على أن تأويله هو مراد الله، ولا على انتفاء غيره من التأويلات، فمجرد الاحتمال ليس بتفسير ولا معنى للظن في مسائل الاعتقاد الجازم لا سيما مع الموانع السمعية منه إلاَّ ما خصَّه الإجماع وغيره من العمل بالظن في غير مواضع القطع، ولأنهم تأوَّلوا آيات الإضلال والمشيئة بالتعجيز، وهو خطأ لوجهين:

أحدهما: أن التعجيز شرٌّ منه كما مضى تقريره.

وثانيهما: أنه لا يزول معه التقبيحُ العقلي، لأن العقل يستقبح طلب حصول ما


(١) في (ش): فهو.
(٢) من قوله: " الله غير قادر " إلى هنا ساقط من (أ).
(٣) في (ش): المراد لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>