للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف يُجعَلُ وجود الشر والأشرار مع ذلك خليّاً عن الحكمة الخفية، والغايات الحميدة؟!

أو كيف يُنظم مثل ذلك في سلك (١) القبائح الضرورية، والمفاسد الجلية، وكم بين الحق والباطل، والظلمات والنور.

وإنما لو عَلِمَ الخلق بالحكمة في خلق الأشقياء على التفصيل، لفسدوا، كما أنه لو بسط الرزق، لفسدوا، أو رفعه هلكوا، ولو قنطُوا، أو قَطَعُوا بالأمان لفسدوا {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦].

وقد تشوَّفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رؤية جبريل على خِلْقَتِه، فرآه كذلك فخرَّ مغشيّاً عليه (٢)، بل قال الله تعالى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: ١٨].

وصحَّ في الحديث " أن الكافر لو يعلم بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار " (٣).

وقد اعترفت المعتزلة بأن التقبيح العقلي ينقسم إلى ضروري عقلي كتقبيح الكذب الضار، واستدلاليٍّ كتقبيح الكذب النافع، فهذا الاستدلاليُّ يقع فيه


(١) في (ش): تلك.
(٢) أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (٢٢١) عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل جبرئيل أن يتراءى له في صورته، فقال جبرئيل: إنك لن تطيق ذلك، فقال: " إني أحب أن تفعل "، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى في ليلة مقمرة فأتاه جبرئيل في صورته، فغشي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه ... وهذا مرسل عن ابن شهاب الزهري، ومرسلاته عند يحيى بن سعيد القطان شبه الريح.
(٣) أخرجه أحمد ٢/ ٣٣٤ و٣٩٧ و٤٨٤، والبخاري (٦٤٦٩)، ومسلم (٢٧٥٥)، والترمذي (٣٥٤٢)، وابن حبان (٣٤٥) و (٦٥٦)، والبغوي في " شرح السنة " (٤١٨٠) من طريقين عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>