للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال تعالى في تكثير القليل: {تَرَوْنَهُم (١) مِثْلَيْهم رأيَ العينِ} [آل عمران: ١٣] الخطاب فيهما لليهود. رواه أبو داود عن ابن عباس (٢).

وقال تعالى في تقليل الكثير: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: ٤٤] فترك الله تعالى إراءَتَهم كثرة عدوِّهم (٣) وكتَمَ ذلك عنهم (٣)، وهو حقٌّ لما عَلِمَ فيه من المفسدة، وشبَّههم لهم قلةً، كما شبَّه لقتلة عيسى في زعمهم شِبْه عيسى حتى قتلوه، وكل ذلك في اليقظة كما نصَّ عليه القرآن، وسيأتي وجهه وبيانه في القدر، وبين قوله (٤): {يتعلمون ما يضُرُّهُم ولا يَنْفَعُهم} [البقرة: ١٠٢]، أن من العلوم ما


(١) (ترونهم) بالتاء، وهي قراءة نافع. وقرأ الباقون: " يرونهم " بالياء، قال الفراء في " معاني القرآن " ١/ ١٩٥: ومن قرأ: " ترونهم " ذهب إلى اليهود، لأنه خاطبهم، ومن قال: (يَرَوْنَهُمْ) فعلى ذلك، كما قال: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} وإن شئت جعلت (يَرَوْنَهُمْ) للمسلمين دون اليهود.
وقال الطبري في " جامع البيان " ٦/ ٢٣٢: اختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأته قرأة أهل المدينة: (ترونهم) بالتاء بمعنى: قد كان لكم أيها اليهود آية في فئتين التقتا: فئة تقاتل في سبيل الله، والأخرى كافرة، ترون المشركين مِثْلي المسلمين رأي العين، يريد بذلك عِظتهم، يقول: إن لكم عبرة أيُّها اليهود فيما رأيتم من قلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين، وظفر هؤلاء مع قلة عددهم بهؤلاء مع كثرة عددهم.
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة والبصرة وبعض المكيين {يرونهم مثليهم} بالياء، بمعنى: يرى المسلمون الذين يقاتلون في سبيل الله، الجماعة الكافرة مثلي المسلمين في القدْر، فتأويل الآية على قراءتهم: قد كان لكم يا معشر اليهود عبرة ومتفكر في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة يرى هؤلاء المسلمون مع قلة عددهم، هؤلاء المشركين في كثرة عددهم.
(٢) أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " ٣/ ٥٠ - ٥١، ومن طريقه أبو داود (٣٠٠١)، والطبري في " تفسيره " (٦٦٦٦)، والبيهقي في " الدلائل " ٣/ ١٧٣ - ١٧٤ عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس. ومحمد بن أبي محمد هذا مجهول.
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) في (ش): بقوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>