للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضر البشر ولا ينفعهم.

ويوضح ذلك قوله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ} [طه: ١٣٤] ولم يقل: لظلمناهم.

ويوضح ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسراء: ١٦] فقد تقدمت إرادته هلاكهم المستحق بعلمِه الحق قبل بعث الرسل المعبَّر عنه بقوله: {أمَرْنا مُتْرَفيها}، وتقدَّمت فسقهم الواقع بعد الأمر المُوَجَّه عذابهم إليه دون الموجب للإرادة السابق لها في الحكم، سواء سبق في الزمان، كقول المعتزلة، أو لم يسبق فيه، كقول الأشعرية، فلا شكَّ في أنه سابق في الرتبة والحكم، كسبق حركة الأصبع لحركة الخاتم.

وأما ما تقدم الأمر من كفرهم، فالعقوبة غير مُوجَهَّة إليه لقوله تعالى في أول هذه الآية: {وما كُنَّا مُعَذِّبين حتَّى نَبْعَثَ رسولاً} [الإسراء: ١٥] فلو كان سبب الإرادة سابقاً لها على زعمِ المعتزلة، لكانت العقوبة قد وَقَعَتْ عليه قبل بعثة الرسل.

وقد ثبت أنهم غير معاقبين في تلك الحال لكمال فضل الله وعدله في الظاهر والباطن، ويشهدُ لذلك حديث أنس المُخرَّج في " صحيح مسلم " وفيه: " ألمْ تُجِرُني يا ربِّ من الظُّلْم " كما تقدم قريباً، فسمَّاه ظُلماً وأقر على ذلك، وأُقيمت عليه الحجة بشهادة أركانه عليه، وهذا شاهدٌ حسنٌ لهذا الوجه، ولله الحمد.

وأما قوله تعالى: {ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الشعراء: ٢٠٩]، فليس فيه أن الظلم بترك الذكرى بالنصوصية (١)، ونظيرُها قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُم


(١) في (ش): النصوصية.

<<  <  ج: ص:  >  >>