للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما غضبُه تعالى على الكافرين وعداوته لهم، فذلك أبعد من قواعد المعتزلة، ولا بُدَّ من تأويله عندهم، وفي الإجادة في ذلك ما ليس في غيرها، ومما في ذلك (١).

وجمهورهُم قد أوَّلُوه لأنه ... أذىً مُؤلِمٌ والربُّ ليس بآلمِ

ولستُ أرى التأويل فيه بقائمٍ ... ولا ألمَ المعبود فيه بلازمِ

ولكن له منه الكمالُ بلا أذى ... وليس لأوصافِ الوَرَى بملائِمِ

كذا كُلُّ الأسماء نصُّها وخفيُّها ... كمُحكمِها حتى قديرٍ وعالمِ

وهذا الجواب الحقُّ عن كلِّ محكمٍ ... ومشتبهٍ في الله ربِّ العوالمِ

فمن قال فيه: مستوٍ كاستوائنا ... كمَنْ قال فيه: عالمٌ مثل عالمِ

كذلك أفعالُ الإله نُصِحُّها ... بلا حركاتٍ في الجهات لوازمِ

لذلك نزَّهناه في الذات ثم في ... الصفات (٢) وفي الأفعال ربِّ العوالمِ

ولم نجعل الفَعَّال في حقِّ ربنا ... مجازاً كذا في سُخْطِهِ والمراحمِ

ومحتملٌ تقديرُ موجب سُخْطِه ... ليحلمَ حُبّاً لاجتلاب المكارم

وتعجيزه عن أن يُقَدر موجباً ... لذلك للتعظيم غيرُ ملائمٍ

ومن ثمرات السُّخط خوفُ جَلالِه ... ونَعْتُ الجلال من أجل اللوازمِ

فسبحان من حاز الكمال ولم يُحِطْ ... به حائزٌ في نعتِه المتقادمِ

وذكر ابن قيم الجوزية أن للناس في غضب الله قولين:

أحدهما: أنه فعلٌ له قائم به كسائر أفعاله.

وثانيهما: أنه مفعولٌ منفصل عنه، وفي هذا إشارةٌ إلى الإجماع على تأويله، وأنه ليس بصفةٍ له كالرحمة، والذي يدلُّ على ذلك أن ما كان صفة له كان ذاتياً دائما سابقاً قديماً، ولا قائل بقدم غضبه. والله سبحانه أعلم.


(١) في (ش): ومما فيها في ذلك.
(٢) في (أ) في الذات والصفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>