للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لا يبعُدُ أنه (١) في مرتبة اختيار الأحسن على الحسن لأن الله تعالى لا يفعلُ المرجوح وإن كان حَسَناً مع وجود الأحسن الراجح (٢)، وذلك أن الأمر يُشبه الخبر بالوجوب، كما قد أتى بلفظ الخبر {ولله على الناسِ حِجُّ البيتِ} [آل عمران: ٩٧] ونحوها، فبَعُدَ بالتأويل عن شبه الخُلف (٣) والبداء كما تنزَّه عن خُلْفِ الوعيد كذلك مع حسنه عقلاً وسمعاً.

وثانيهما: وهو الأكثر أمر من علم الله سبحانه أنه لا يُطيع لإقامة الحجة، كما أذكره في الحكمة في الأمر مع القدر في آخر الكلام في الأقدار، وما فيه من الآيات الصريحة بأن العلة في أمره إقامة الحجة عليه، وإليه الإشارة بقوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} [يونس: ٢٥]، فَعَمَّ بالدعوة حجة على من علم أنه لا يجيبُ، وخص بالهدى منه على من عَلِمَ أنه يُنيبُ.

ثم إن الحجة تارة تكون مع إرادة المغفرة كما يأتي في أحاديث " لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم "، ومنه قوله تعالى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّة} إلى قوله: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيه} [البقرة: ٣٥ - ٣٦] ولم يكن الرب عز وجل مُريداً لسكون آدم وزوجته في الجنة دائماً بدليل قوله قبل عصيانهما: {إني جاعلٌ في الأرض خليفةً} [البقرة: ٣٠]، وبدليل أنه لو أراد ذلك غفر ذنبهما ولم يُخرجهما به من الجنة، أو أخَّر عقوبتهما إلى (٤) الآخرة كما يقتضيه مذهبُ المعتزلة، فإنه لا يجوز عندهم تقديم (٥) العقوبة في دار التكليف، بل ذنوب الأنبياء صغائر عند المعتزلة والجمهور، والصغائرُ مغفورةٌ لا يعاقب الله عز وجل


= الجهمية" ص ٣٤، وابن حبان (٧٤٠٦)، والآجري في " الشريعة " ص ٤٨١ - ٤٨٢، وابن منده في " الإيمان " (٧١٤)، والبغوي (٣٧٥٤).
(١) في (أ): أن.
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) تصحفت في (ش) إلى: الخلق.
(٤) في (ش): في.
(٥) في (ش): تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>