للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها، وظاهرُ أمره بسكناهما الجنة الدوام بدليل قوله في الشيطان: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيه} [البقرة: ٣٦] فنسب الإخراج إليه لما كان سبباً فيه، ولم يكن السببُ الظاهر انتهاء مدة الإرادة لإقامتهما في الجنة.

وتارةً من غير إرادةٍ للمغفرة، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: ١٣٤].

ونحوها {لِئَلاَّ يكونَ للناس على الله حُجَّةٌ بعد الرُّسُل} [النساء: ١٦٥].

وأخصُّ من هذه الآيات، وأنسبُ بمسألتنا قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسراء: ١٦] أي أمرناهم أن يطيعوا، كما تقول: أمرته فعصاني، أي: أن يُطيعني، والقرينة في مثله مُغنيةٌ عن تقدير المحذوف من جنس المذكور كما زعم الزمخشري (١)، فالآية بينةٌ في أن الأمر لهم لم يكونوا (٢) ليطيعوا، لأنه كان بعد إرادة عذابهم بما قد علم الله فيه من الحكمة، وإنما كان أمرهم قطعاً لعُذْرِهم، ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْر} [يس: ١١] يعني الإنذار النافع.

وأما ما تقدم الأمر من كفرهم، فلا يجوز تعليق الإراده لعذابهم به، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، ونحوها {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُون} [النمل: ٨١]، وقوله: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم} [يس: ١٠].

ولذلك قد يخصُّون بالأمر في مثل قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: ١١٠] وهو كثير، بل قد يستثنى الكافر من المؤمن المأمور حيث يراد بالأمر وقوع (٣) المأمور به، ونجاة الممتثل له، كقوله


(١) ٢/ ٤٢٢.
(٢) في (ش): يكن.
(٣) ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>