للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنُ غيرُهُ أن يفهمَ مِن ذلك مثلَ فهمه، ولا يستنبط منه مثلَ استنباطه (١)، وكذلك سائرُ الصحابة كانوا في ذاتِ بينهم متفاضلين، فلم يكن أبو هريرة في الفقه مثلَ معاذ، ولا كان معاذ في الرواية نظيرَ أبي هريرة، وكان زيدٌ أَفْرضهم، وأُبيٌّ أقرأهم، ومعاذ أفَقهَهُم (٢)، وكذلك أَحوالُ الخلق منْ بعدهم من السَّلفِ والخَلَفِ.

وكم عاصرَ أئمة العترة -عليهم السلام- من طلاب للعلم، مجتهد في تحصيله فلم يبلغ مَبْلَغهُم، ولا قارب شأوَهم. وكذلك عاصرَ أئِمةَ الحديث والفقهِ والعربيةِ، وسائرِ العلوم: من لا يأتي عليه العدُّ، فلم يبلغ المقصود، ويتميز عن (٣) الأقران إلا أفراد من الخلق، وخَواص مَنحهم اللهُ -تعالى- الفهمَ والفِطْنَة، وآتاهم الفقهَ والحِكْمَةَ، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩].

وقد فاضلَ اللهُ -تعالى- بينَ الأنبياء -عليهم السلام-: قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: ٢٥٣]. وقال


(١) ألفاظ الأثر تعم ولا تخص أمير المؤمنين رضي الله عنه: " ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن " " ما علمته إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن " " إلا أن يرزق الله عبداً فهماً في كتابه " " أو فهم أعطيه رجل مسلم " " إلا فهماً يعطى رجل في كتابه ".
(٢) بشهادة الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه عنه أنس بن مالك ولفظه بتمامه: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرؤهم أُبيّ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " أخرجه أحمد ٣/ ١٨٤ و٢٨١، والترمذي (٣٧٩٣) وابن ماجة (١٥٤) والطحاوي في " مشكل الآثار " ١/ ٣٥، والطيالسي (٢٠٩٦) وابن سعد ٣/ ٢/٦٠، وأبو نعيم ٣/ ٢٢٢، والبغوي (٣٩٣٠) وصححه ابن حبان (٢٢١٨)، (٢٢١٩) والحاكم ٣/ ٤٢٢ ووافقه الذهبي.
(٣) في أ: على.

<<  <  ج: ص:  >  >>