للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لأن كلامنا إنما هو في تسميته محبوباً من فِعْلِ العبد وكسبه، وليس له من هذه الجهة وجهٌ يُرضى ويُحبُّ، لأنه قُدِّرَ مكروهاً.

وأما وجه حسن تقديره، فهو راجع إلى فعل الله، وفعله سبحانه محبوب مرضي حقيقة عند أهل السنة، ويستحيل تعلُّق الغضب به من حيث هو فعله.

وهذا هو الجواب على من قال: كيف قبحُ الذنب من المعاصي مع حسن تقديره من الله لحكمةٍ راجحة؟

ومن هذا الوجه يجب الرضا بالقضاء بالشرور، والقبائح مع كراهتها كما قاله الغزالي وغيره، وذلك مثل الرضا بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون المقضي به، حيث قال: " إن أحدكُم يكون ألحن بحجته فأقضي له، فمن قضيتُ له بمال أخيه، فإنما أقطع له قطعةً من النار " (١) أو كما ورد، وهو متفق على صحته.

والتمثيل به تقريبٌ لفهم البليد، وإلا فالبَوْنَ بين القضاءين بعيدٌ، فإن أراد ذلك الإمام الجويني فصحيح، ولا ينبغي أن يختلف فيه أهل الحق، لكن يختلفون في جواز إطلاقه لأنه يُوهم الخطأ، وهو كون المعاصي مرضية من جهة كسب العبد. فافهم ذلك.

فإن قلت: قد صدَّرت الجواب على المعتزلة بأن ما (٢) ألزموه أهل السنة من كون المعاصي محبوبةً غير لازم على جميع أقوالهم، ثم حكيت عنهم الاختلاف في ذلك، ونسبته إلى إمامهم الجويني، وهذا تناقض!

قلت: لم يختلفوا في أنها محبوبة قطعاً، إنما اختلفوا في صحة إطلاق هذه العبارة مجازاً، وذلك يقتضي منع حقيقتها، فتأمل ذلك.

وقد أوضحت المنع من إطلاق ذلك مجازاً عند أهل السنة وجماهير أهل الكلام، ولله الحمد.


(١) تقدم تخريجه في ٢/ ٢٩١.
(٢) ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>