للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أن المعتزلة لا تجيز تخصيص العموم فيما يفيد الاعتقاد فقط بمخصصٍ غير مقارن للعموم، لأن ذلك عندهم يؤدي إلى اعتقاد الجهل في صحة العموم أول ما يسمع، أو التوقف في المراد إن لم يقطع بصحة العموم، ولا يجوز الخطاب عندهم بما لا يفهم المكلف المراد منه على التفصيل ولو قبل وقت الحاجة.

فإن قيل: هذا الذي قدمتم من تأدية ذلك إلى ما لا يجوز دليل عقلي إجمالي يدلُّ على أن العموم غير مراد، لأن إرادته تستلزم تلك المفاسد.

فالجواب: أن الدليل الإجمالي لا يصح عندهم إلاَّ عند أبي الحسين، وذلك لأنه عندهم (١) يؤدي إلى خطاب المكلفين بما لا يفهمون، وهو عندهم قبيحٌ، وليس الفهم الجملي عندهم كافياً، وإلا جاز خطاب العجمي بالعربية، لأنه يفهم أن له معنى في الجملة، والرد عليهم في هذه المذاهب مُبَيَّنٌ في كتب أصولِ الفقه، وإنما الغرض بيان بطلان تأويلهم في هذه الآية على قواعدهم.

فإن قيل: قوله تعالى: {وما تشاؤون إلاَّ أن يشاءَ الله} [التكوير: ٢٩] على ظاهره يناقض قوله في الآية: {لِمَنْ شاءَ مِنْكُم أن يَستَقِيمَ} [التكوير: ٢٨] لأن أولها يدل على التمكين، وآخرها يناقضه.

قلت: أما أنَّ أولها يدل على التمكين، فصحيحٌ، وأما أن آخرها يناقضه، فممنوع، بل هو يدُلُّ على أن عبد السوء إذا لم يُعْطَ من الهدى (٢) إلاَّ ما تقوم به الحجة، ويصح معه الفعل والأمر والنهي والثواب والعقاب، لم يفعل إلاَّ ما وافق هواه حتى يتفضَّل الله عليه بالهدى الزائد على القدر الذي يصح معه الفعل، وتقوم به الحجة، كما قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [النور: ٢١] وفي مثله يقول سبحانه: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِه مَنْ يَشاءُ} [البقرة: ١٠٥].


(١) ساقطة من (أ) و (ش).
(٢) " من الهدى " ساقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>