للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يكون معناه بعض ما يريد، لأن جميع عباده الضعفاء كذلك يفعلون بعض ما يريدون ويفوتهم بعضه، فوجب أن يكون الربُّ هو المختص بفعل جميع ما يُريد لا يتعذَّر عليه شيءٌ، فوجب متى أراد أن يلطف بعبد أن يقدر على ذلك وإن كان العبد أكفر الكافرين، وأفجر الفاجرين.

وهذا كله زيادة بيان على جهة التفصيل، والعمدة ما قدمته من الوجه القطعي الجُملي من أن آيات المشيئة لو كان ظاهرها قبيحاً باطلاً، لقضت العادة بالتعريف بذلك في عصر النبوة والصحابة والتابعين، فثبت بمجموع هذه الآيات وأمثالها وما عضدها من الأحاديث الصِّحاح وآثار الصحابة والتابعين (١) مع الأدلة العقلية القاطعة أن إرادة الله سبحانه نافذةٌ، ومراداته كلها واقعة.

والعجب من مخالفي أهل السنة في تأويل جميع ذلك، واعتقاد أنه من المتشابه كما صنعوا مثل ذلك في آيات الصفات، وليس يصح أن يكون في القرآن متشابه إلاَّ وفيه محكمٌ يُرَدُّ إليه ذلك المتشابه كما قال تعالى، ولم يرد في آيةٍ واحدة، ولا في حديثٍ واحد من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا في أثرٍ واحد من آثار الصحابة رضي الله عنهم أن الله تعالى يريد ما لا يكون، بل ما يعلم أنه لا يكون أبداً، كما لم يَرِدْ في شيء من ذلك أن الله تعالى لا يهدي من يشاء، ولا يقدر على اللطف بمن يشاء كما هو الحق الواضح، والمحكم البين عند المعتزلة.

وما أفحشَ ما ادَّعوا أنه الحق، وأخبثه في الأسماع وأوحشه في الإسلام، وجميع آيات المشيئة تقتضي تنزُّه (٢) الرب جل جلاله، وترفعه عن هذه النقيصة التي لا تليق بكمال ربوبيته وجبروته وقدرته وقوته وعِزَّتِه، وما قنعت المعتزلة بإنكار هذه الصفة الشريفة حتى كفَّرت من آمن بما ورد في كتاب الله تعالى من


(١) من قوله: " فثبت " إلى هنا ساقط من (أ).
(٢) في (ش): تنزيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>