للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمال الآخرةِ، ونيل الفضائل ما يُسَهِّلُ عليه عزيزَها، وَيُقرِّب إليه بَعيدَها.

فلا معنى للمبالغةِ في تعسير الشيء الشرعي في نفسه، لأنَّ ذلك يخالف كلامَ الله تعالى، وكلامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

واعلم أنَّ من العُقوقِ لومَ الخليِّ المَشُوق، وفي هذا يقول أبو الطيب:

لا تَعْذُلِ المُشْتاقَ عن أشْواقِهِ ... حتَّى يَكُونَ حشَاكَ في أحْشَائهِ (١)

واعلم أن حُبَّ المعالي يُرخِصُ الأمور الغَوالي، ويقوِّي ضعف الصُّدُور على الصبرِ للعوالي، وربما بُذِلَتِ الأرواحُ لما هو أنفسُ منها من الأرباح، قال:

بذلتُ لهُ رُوحِي لرَاحَة قُرْبِهِ ... وغيْرُ عَجِيبٍ بذْليَ الغالِ بالغَالِ (٢)

وفي كلام العلاَّمة (٣) -رحمه الله-: عِزَّةُ النفسِ وبُعْدُ الهِمَّة: الموتُ الأحمر، والخطوبُ المُدْلَهمَّة، ولكن مَنْ عرَفَ منهل الذُّلِّ فعافهُ، استعذبَ نقيعَ العِزِّ وَزُعَافَهُ (٤).

وقد أجادَ وأبدعَ منْ قال - في هذا المعنى:


(١) ديوانه (٣٤٣).
(٢) البيت لابن القارض المتوفى سنة ٦٣٢ هـ من قصيدة مطلعها:
أرى البُعْدَ لَم يُخْطِر سِوَاكُم علُى بَالِي ... وإن قرَّب الأخطار من جسدي البَالِي
انظر ديوانه ص ١٧٤ - ١٧٦.
وفي شعره مؤاخذات عقيدية نبه عليها العلماء الثقات الأعلام، وقد نقلها عنهم البرهان البقاعي في كتابه " تنبيه الغبي .. " وهو مطبوع فراجعه.
(٣) هو الزمخشري في " أطواق الذهب " ص ٢٢.
(٤) يقال: أنقع السم: عتقه، وسم ناقع ونقيع ومنقوع، أي: بالغ قاتل، وسم زعاف: قاتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>