للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العجب قول المعتزلة: إن هذا متشابهٌ، فأين المحكم؟ وأيُّ آيةٍ في كتاب الله جاءت على وفق مذهب المعتزلة في أن الله يشاء ما لا يكون، ويريد ما يعلم أنه لا يكون حتى يُرَدَّ المتشابه إليها، فإن الله لم يصف القرآن بأنه متشابه كله، وقد تقدم تقرير هذا، وهو نفيسٌ جداً لمن تأمله، وليس في هاتين الآيتين ما يحتاج أهل السنة إلى تأويله ألبتة.

أما قوله تعالى: {كَذَلِكَ كذَّب} [الأنعام: ١٤٨] فإن القراء السبعة اتفقوا على أن القراءة (كذَّبَ) (١) بتشديد الذال، يعني: كذبوا الأنبياء والحق الذي جاءهم، وهي كقوله تعالى في الآية الأخرى: {كَذلِكَ فَعَلَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهم} [النحل: ٣٣] والقرآن يُفَسِّرُ بعضه بعضاً، وليس يحتاج إلى التأويل.

وأما من قرأ: {كَذَلِكَ كَذَبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} على تقدير صحة القراءة بتخفيف الذال (٢) من (كذب) فهو كقوله تعالى في هذه الآية {وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٨] وذلك كله راجع إلى ما سبقت الآيات لإبطاله من قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} إلى آخر قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١٥١]، وهي قدر سِتَّ عشرة آية مشتملة على تكذيبهم، وتجهيلهم في تحريم بعض الأنعام، واستحلال قتل أولادهم، يعني: وَأْدَ البنات.

وقد كرر الله هذا المعنى في كتابه، لأنه يدلُّ على تجزئهم على الله، وعدمِ تأويلهم، وعدم نظرهم في الجليَّات، لأن كل عاقل يعلم مع أدنى تأمل أنه لا يدلُّ على ما افتروه في هذه الأشياء شبهةٌ عقلية، ولا أثارةُ علمٍ شرعية، ولذلك قال: {هَلْ عِنْدَكُم مِنْ عِلْمٍ فتُخرجوه لَنا} [الأنعام: ١٤٨] ثم بيَّنه بقوله: {قُلْ


(١) من قوله: " فإن القراء " إلى هنا ساقط من (أ).
(٢) هي قراءة شاذة لا تَثْبُتُ، ولا يُعْرَفُ من قرأ بها، فقد ذكرها أبو حيان في " البحر المحيط " ٤/ ٢٤٧ دون نسبة إلى معين، وإنما قال: بعض الشواذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>