للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا (١) لأن الأبوين لا يؤثِّران في أحكام أولادهما إلاَّ فيها. وقد دل الدليل القاطع عندهم على تجويز الابتلاء واللطف الذي أوجبته المعتزلة مع كثرة الظواهر المتناولة لذلك، وتحريم تأويلها لإمكان بقائها (٢) من غير تأويل، بل لقيام القاطع على عدم تأويلها، أما القاطع الأول، فهو عقلي، وأما امتناع أن يكون الله تعالى خلق من عَلِمَ أنه يعصي عبثاً وليس فيه إرادةٌ لله تعالى، وهذا إجماع.

وإذا ثبت أن له فيه إرادةً، استحال عندهم عقلاً أن تكون تلك الإرادة متعلقةً بتحصيل ما ثبت في العلم أنه لا يحصل، فثبت أنها متعلقةٌ بما يوافق العلم من أفعال الله تعالى، وبعدم المنع باللطف (٣) من المعاصي التي تعلق العلم بوقوعها، وهو التخلية في عبارة المعتزلة، وهذه أصح العبارات كما سيظهر بحمد الله تعالى، ومع ذلك فلا يثبُتُ تعلُّقُها بالذنب نفسه لما تقرَّر أن مذهب أهل السنة أنه يستحيل تعلُّقُ الإرادة بفعل الغير، وإنما تُعلَّق بأفعال تكون سبباً

لفعل، وأما ما يتعلق بفعل الغير (٤)، فلا يكون إلاَّ المحبة للطاعات والكراهة للمعاصي، لكن المحبة تُسمى إرادةً مجازاً كما تقدم تقريره.

وأما الظواهر الواردة في ذلك، فمثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: ١٧٩]، وقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: ١٣] وأمثال ذلك مما يطول ذكره، وقد تقدم أو أكثره.

وبعض أهل السنة يورد فيه قوله تعالى: {وما تشاؤُون إلاَّ أنْ يَشاءَ الله}


(١) في (ش): الدين.
(٢) في (ش): بقائهما، وهو خطأ.
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) من قوله: " وإنما تعلق " إلى هنا ساقط من (أ) و (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>