للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما أخبراه به، لم يُعَنِّفْهُما ويُلزمهما الاحتياطَ حتى يستيقنا.

وكذلك لَمَّا أمَرَ -عليه السلامُ-: جماعةً من أصحابه أن لا يُصلوا العصرَ إلا في بني قرَيْظَةَ (١) -وكادت الشمس تَغيبُ- اختلفوا في مراده -عليه السلام- بقوله: " لا تصلوا العصر إلا في بني قُريظة " فمنهم من قال: إنما أراد أن يكونَ وقتُ الصلاة ونحنُ معه، فنُصليها في وقتها معه، فصلى قبلَ الغروب، وقيَّد إطلاقَه -عليه السلام- بالقرينة، ومنهم من بقيَ على الظاهر، وأخرها إلى بعدِ العشاء، وصلاها في بني قُريظة بعدَ خروج وقتها، وَعَلِمَ - صلى الله عليه وسلم - فلم يُعنِّفِ أحداً من الطائفتين.

ولمَّا أخبره معاذٌ أنه يحكم في اليمن باجتهاده، قال -عليه السلام-: " الحمدُ لله الذي وفَّقَ رسُولَ رسولِ الله " (٢) ولم يُشدِّد عليه، ويعقِدْ له مجلساً للاختبار والمناظرة.


(١) تقدم تخريجه في الصفحة ١٩٢.
(٢) في أزيادة: لما وفق له رسوله، وهي عند أكثر من خرج هذا الحديث بلفظ: لما يرضي رسوله. والحديث أخرجه أحمد ٥/ ٢٣٦ و٢٤٢، وأبو داود (٣٥٩٢) والترمذي (١٣٢٧) والطيالسي ١/ ٢٨٦، وابن سعد ٢/ ٣٤٧، ٣٤٨، والخطيب في " الفقيه والمتفقه ": ١٨٨، ١٨٩ والبيهقي ١٠/ ١١٤ وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ٢/ ٥٥ كلهم من طريق شعبة عن أبي عون الثقفي، عن الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: " كيف تقضي إذا عرض لك قضاء "؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: " فإن لم تجد في كتاب الله "؟ قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: " فإن لم تجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا في كتاب الله "؟ قال: اجتهد رأيي، ولا آلو، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ".
وقد ضعفه بعضهم بجهالة الحارث بن عمرو، وبجهالة شيوخه، وغير واحد من الأئمة المحققين يصححه، ويقول به، منهم أبو بكر الرازي، وأبو بكر بن العربي، والخطيب البغدادي، وابن قيم الجوزية، وقالوا: إن الحارث بن عمرو ليس بمجهول العين، لأن شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا بمجهول الوصف، لأنه من كبار التابعين في طبقة =

<<  <  ج: ص:  >  >>