للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما دلَّت القرينة على أن أحد الجائزين (١) أقرب بالنظر إلى القرينة وحدها ما لم يعارضها ما هو أرجحُ منها، وبالنظر إلى الشخص والوقت، وما لم ينكشف خلاف ما دلَّت عليه، فمتعلّقُه الرجحان المقيَّد بهذه القيود كقول الخصم في ظن المجتهد إذا تغير، ولا بُدَّ من مراعاتها.

بل لقائلٍ أن يقول: وإن سلَّمنا أنه خطأ، فإنه من الخطأ الذي هو نقيض الإصابة، كخطأ المجاهد في الرمي، والمريض في ظنه أن الماء مُرٌّ لنفسه، لا من الخطأ الذي هو نقيض الصواب، ولا يُنسبٌ الخطأ إلى الله اسماً كسائر النقائص المخلوقة، لأنه لم يُنْسَبْ إلى العبد إلاَّ بالنسبة إلى انكشاف خلاف ما ظنه.

فثبت أن القدرة والداعي فعل الله عز وجل، ولكن حصول الفعل بهما اختياريٌّ بالضرورة، كما قال أبو الحسين وكثيرٌ من الأشعرية: إنا نُفَرِّقُ بالضرورة بين حركة المختار، وحركة المَسْحُوبِ والمَفْلُوج، ونعلم بالضرورتين العقلية والسمعية حسن الأمر والنهي، والمدح والذم فيما يتعلَّق بأفعالنا دون صُوَرِنا وألواننا، وذلك يأتي متكرراً بزيادات لا تخلو من فائدة إن شاء الله تعالى، وخلاف المعتزلة في ذلك لفظيٌّ لما يأتي في المرتبة الخامسة في الفرقة (٢) الرابعة.

فإن قيل: أليس قد نصَّ الله في كتابه على أن له الحجة البالغة، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا أحد أحبُّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب " (٣)، وتصديق ذلك في كتاب الله في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، وقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] وقوله تعالى: {أنْ تَقُولوا يومَ القيامة إنَّا


(١) في (ش): أحد المجوزين الجائزين.
(٢) في (أ): المرتبة.
(٣) تقدم تخريجه في ١/ ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>