للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالته العرب قول حسان (١):

أتَهْجُوهُ ولَسْتَ لهُ بكُفْءٍ ... فشَرُّكُما لٍخَيْرِكُما الفِداءُ

ومن ذلك فداء الذبيح عليه السلام بالكبش، وفداء عبد الله بن عبد المطلب بمئةٍ من الإبل، واستحسانُ أهل الفطر السليمة لذلك غير مستند إلى ورود الشرائع وإجماع العقلاء على استحسان ذلك قبل نُبوغ البراهمة وبعض المعتزلة.

ويلزمهم قبح التداوي لإخراجِ دود البطن لما فيه من دفع ضررٍ خفيف بقتل أُلوفٍ من الحيوانات التي لم يصدر من أحد منها قبيح ألبتة، فموتُ المتداوي المذنب على قولهم أهون من قتل واحدٍ من الدود.

ويلزمهم أن يقبُحُ سقي الزرع والحرث ونحو ذلك إذا أدى إلى موت ذرةٍ بسبب الماء والحرث.

ويلزمهم قبح شرب الماء من المناهل إذا كان يؤدي إلى فراغه، وفراغه يؤدي إلى موت كثيرٍ من حيواناته.


(١) ديوانه ص ٦٤ من قصيدة يهجو بها أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلامه، والاستفهام في قوله: أتهجوه: استفهام إنكاري: يقول: ما كان ينبغي أن تهجوه ولست من أكفائه ونظرائه، وقوله: فشركما لخيركما الفداء جار كذلك على أسلوب الكلام المنصف، قال الزمخشري في " الكشاف " ٣/ ٢٨٩ في تفسير قوله تعالى: {وإنَّا أَوْ إيَّاكُم لَعَلى هُدىً} الآية: وهذا من الكلام المنصف الذي كُلُّ من سمعه من موالٍ أو مناف قال لمن خُوطِبَ به: قد أنصفك صاحبك. وفي درجة بعد تقدمه ما قدم من التقرير البليغ دلالة غيرُ خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين. ولكن التعريض والتورية أفضل بالمجادل إلى الغرض، وأهجم به على الغلبة مع قِلَّةِ شَغَبِ الخصم، وفلَّ شوكته بالهوينى، ونحوه قول الرجل لصاحبه: علم الله الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ثم استشهد ببيتِ حسان هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>