للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قيل: " يستلزم فرض بطلانه المحال " لأنه الدليل على وجوب وقوع المقدَّر بالعلم، أو القول، أو الكتابة، أو الإرادة ووقوع المُيَسَّر بالدواعي كما يأتي بيانه.

ألا ترى أن فرض وقوع المرجوح من الله عند المعتزلة يؤدي إلى المحال، وليس فيه إلاَّ مخالفة الدواعي الراجحة مع صفة الله تعالى بالقدرة والاختيار.

وقوله: " باعتبار الجهتين " إشارة إلى أن القدر لا يُحيل الذوات عن صفاتها، ولذلك كان الله تعالى مختاراً عند الجميع مع تعلُّق القدر بأفعاله سبحانه {كانَ على رَبِّك حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم: ٧١].

وقيل: تعلُّق أمرٍ بأمرٍ ليَعُمَّ الشيء الحقيقي والإضافي.

وقال الخَطَّابي: قد يَحسِبُ كثير من الناس أن معنى القَدَر من الله، والقضاء معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدَّره وليس كذلك، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد وصدورها عن قدرٍ منه خيرها وشرها.

والقدر: اسمٌ لما صدر مقدَّراً على فعل القادر، كالهدم، والنشر، والقبض، اسم لما يصدر عن فعل الهادم، والناشر، والقابض، يقال: قَدَرتُ الشيء، وقدَّرت، خفيفةً وثقيلة، والقضاء في هذا معناه: الخلق كقوله تعالى: {فقضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَوْمَيْنِ} [فصلت: ١٢].

فإذا كان كذلك، فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور وملابستهم إياها عن قصدٍ وتعمُّدٍ وتقدير إرادة اختيار، والحجة إنما تلزمهم بها، واللائمة تلزمهم عليها.

وجماعُ القول في هذا أنهما (١) أمران لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر، لأن


(١) كتب فوقها في (أ): أي الاختيار وسبق القدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>