للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي " الصحيحين " (١) أيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ".

وفي روايةٍ " الذين يُشَبِّهُون بخلق الله ".

وفي هذا وفي حديث أبي هريرة تفسير قوله: " أحيوا ما خلقتم " أي ما شبَّهتُم بخلق الله تعالى، وادَّعيتم من خلقه ما لستم له بأهل، فلو كان الخلق لله تعالى مجازاً وللعباد حقيقةً، لم يحرم عليهم معلَّلاً بهذه العلة، التي هم عند الزمخشري أحقُّ بها من الله تعالى، بل هي لهم دونه.

ولما كانت الحياة ونحوها من الأعراض تُسَمَّى مخلوقة لأنه لا تقدير فيها، ويحتمل في مجرد التقدير والتصوير لما ليس فيه روح أن يسمى خلقاً، سواء كان من فعل الله تعالى أو من فعل العباد، بخلاف إيجاد الأعيان وإنشائها من العدم، وذلك لقول عيسى عليه السلام: {أَنِّي (٢) أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا (٣) بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: ٤٩]، ولِما ثبت في " الصحيحين " أنه يقال للمصوِّرين: " أحيوا ما خلقتم " أي: ما صوَّرتم، فسمى التصوير خلقاً، كما سماه عيسى عليه السلام.

يوضحه: أن ليس القصد إضافة كل خلقٍ إلى الله تعالى، ولا تفرُّدَه


(١) البخاري (٥٩٥٤) و (٦١٠٩)، ومسلم (٢١٠٧) (٩١) و (٩٢)، وصححه ابن حبان (٥٨٤٧).
(٢) قرأ نافع: " إني " بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرأ الباقون (أني) بالفتح، قال الزجاج: " أني " في موضع جر على البدل من (آية).
(٣) فرأ نافع (طائراً) على واحد، كما تقول: رَجْلٌ وراجل وركب وراكب، قال الكسائي: الطائر واحد على كل حال، والطير يكون جمعاً وواحداً، وحجته أن الله أخبر عنه أنه كان يخلق واحداً، ثم واحداً.
وقرأ الباقون (طيراً) وحجتهم: أن الله جل وعز إنما أذن له أن يخلق طيراً كثيرة، ولم يكن يخلق واحداً فقط. " حجة القراءات " ص ١٦٤.
(٤) في (أ): شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>