للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تختلف بها أسماء الذوات، فإن ذات (١) الحركة المخلوقة واحد، ثم تختلِفُ أسماؤها باختلاف أحوالها، فتُسَمَّى طاعةً ومعصيةً وكتابةً وصناعةً، وأجمعوا هم والجمهور أن المخلوق من مُسَمَّى الصلاة والعبادة والطاعة والمعصية ذواتها التي هي مُطلَقُ الحركة دون الوجه المخصوص الذي سُمِّيَتْ به (٢) طاعة ومعصية.

وأما القدر المقابل بالجزاء، فليس هو مرادهم بقولهم: إن الله خالق كلِّ شيء، لأنه ليس بشيءٍ حقيقي، والخلق لا يصح أن يطلق على غير شيء، والله عز وجل إنما تمدح بأنه خالق كل شيء لا خالق لا شيء، لأن المراد كل شيء يُسَمَّى مخلوقاً، والقدر المقابل بالجزاء لا يسمى مخلوقاً لوجوه:

الأول: قوله تعالى: {ربَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً} [آل عمران: ١٩١] فلو كان الله تعالى خالق الباطل الذي فعله العباد لم يتنزه عن خلق الحق في حالِ كونه باطلاً، لأن خلق الباطل أشدُّ قبحاً من خلق غيره في حال كونه باطلاً، كما أن من فعل الكفر لم يَتنَزَّه (٣) عن ترك الضلال كفراً.

الثاني: قوله تعالى: {ولآمُرَنَّهم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} [النساء: ١١٩] فلو كان الله خالق تغييرهم، لكان خلقاً آخر لا تغييراً لخلق الله، كما أن الشيب في الشعر خَلْقٌ آخر بعد السواد لا تغييرُ خلق الله، ولقال الله: ثم أنشأناه خلقاً آخر، كما قال في تغيير النطفة إلى العلقة، ثم (٤) قال في آخر التغييرات: {فتبارك الله أحسنُ الخالقين} [المؤمنون: ١٤] ولم يقل: أحسن المغيِّرِين.

وكذلك لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواشمات المغيرات خلق الله (٥)، ولم يجعل تغييرَهُنَّ خلقاً منه آخر كما خلق النطفة علقةً، وخلق الشيب بعد الشباب.


(١) في (ش): فإرادة.
(٢) في (ش): له.
(٣) في (أ): ينزه.
(٤) في (أ): حين.
(٥) أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (٥٥٠٥) من حديث عبد الله بن مسعود، وانظر تخريجه فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>