للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفسيرها في حديث: " كلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفِطرة، وإنما أبواه يُهوِّدانِهِ ". الحديث (١).

وفيه ما تقدم في حديث عائشة وابن عباسٍ من الاحتمال الناشىء من الاشتراك في معنى الخلق، ويُوضِحُه أن الخلق هنا راجعٌ إلى الفِطْرَةِ.

وقد دلَّ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتفق على صحته، أنها العقل القابل للإسلام حتى يخالفه الأبوان، يوضحه ما تقدم من امتناع تفسير الخلق بإيجاد الأعمال، لعدم وجودها في ذلك الوقت بالضرورة، وهذا منتهى ما عَرَفْتُ في هذه المسألة الجليلة.

وقد ادعى بعض الفرقتين الأُولَيَيْنِ الإجماع على ما اختاره، ولم يُسَلِّمْ لهم ذلك الآخرون.

والحق عندي في دعوى الإجماع في ذلك من السلف رضي الله عنهم أنه يُمكِنُ أنها صحيحةٌ على وجهٍ دون وجهٍ، وذلك أن الخلق لفظةٌ مشتركة بين التقدير ويين إيجاد الرب عزَّ وجلَّ للذوات، ولا شكَّ أن أفعال العباد مخلوقةٌ بالمعنى الأول: أي مُقَدَّرةٌ معلومةٌ مكتوبةٌ، مقطوعٌ بوقوعها منهم باختيارهم على جهةٍ تُوجِبُ الحجة عليهم وتقطع أعذارهم، من غير جَبْرٍ ولا سَلْبِ اختيارٍ، وفي الآثار في (٢) " الجامع الكافي " عن قدماء أهل البيت ما يكفي ويشفي.

وأما المعنى الثاني ففي دعوى الإجماع عليه بخصوصه بُعْدٌ كثيرٌ مع شهرة هذا النزاع بين متكلمي أهل السنة، فكيف بغيرهم من سائر متكلمي أهل الإسلام؟! فكيف بالسلف الذين كانوا أبعد الناس عن الخوض في مثل هذا والتنصيص عليه؟! وسيأتي قريباً كلام القاضي عياض، والنَّواوي، وابن الحاجب في اختلاف أهل السنة في ذلك، مع ما مضى من ذلك.


(١) تقدم تخريجه في الجزء الثالث ص ٣٨٧.
(٢) في (أ) و (ش): والآثار وفي، وهو خطأ، وقد نبَّه على الصواب في (أ) بخط مغاير.

<<  <  ج: ص:  >  >>