للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتساويين (١)، على أنه إنما حكى عمن رأى من المحدِّثين، وليس ذلك من عبارات الإجماع (٢) في شيء، وعلى أن رواية الإجماع تحتاج إلى استفسارٍ لشدة الخلاف في كثيرٍ من صُوَرِهِ.

فمن الناس من يرى إجماع أهل مذهبه حجةً، بناءً على أنهم أهل الحق، وأنهم المُعتَبَرُون في الإجماع، وهذا كثيرٌ.

ومن الناس من يرى عدم علمه بإنكار القول بعد إنتشاره دليلاً على إجماع الباقين على موافقة المتكلم، وهذا كثيرٌ أيضاً.

على أن في هذه العقيدة التي أخذها الأشعري عن الساجي ما لفظه: ويقرون أن الإيمان قولٌ وعملٌ، ويزيدُ وينقُصُ، ولا يقولون: مخلوقٌ ولا غيرُ مخلوقٍ، مع قوله فيها: وعلى أن أعمال العباد يَخلُقُها الله.

فهذا يدل على ما رواه الرازي والشهرستاتي والبيضاوي أن الأشعري لا يجعل الأعمال المخلوقة هي مَورِدُ التكليف، ويجعله ما ليس بمخلوقٍ، إذ لا يمكن حمله على التناقض الصريح في كلامٍ واحدٍ متقاربٍ، مع أن الرجل من أئمة النظر وأهل الحِذْقِ بالكلام والجدل.

أو يكون أراد بالخلق الذي أثبته التقدير، وبالخلق الذي لم يُثْبِتْهُ الفعل، فلا شكَّ في خلق الأفعال بمعنى تقديرها فيهم، وعبارة من ادَّعى الإجماع محتملةٌ لذلك، والله سبحانه أعلم.

وكذلك عقيدة أهل السنة التي رُوِيَتْ عن حرب بن إسماعيل الكَرْمَاني صاحب أحمد بن حنبل عن أهل السنة، ليس فيها ذِكْرُ خلق الأعمال البتة، وإنما فيها ذكر مشيئة الله تعالى، وذلك يُفَسِّرُ القدر، وبين المسألتين فَرْقٌ كما مرَّ تقريره في تفسير القدر في آخر مسألة المشيئة في المرتبة الثانية.


(١) في (ش): المساويين.
(٢) في (أ): الإيمان، وكتب فوقها الصواب كما هو مثبت، وفي (ش): الإثبات.

<<  <  ج: ص:  >  >>