للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو معنى تكليف ما لا يطاق عند من أجازه (١) من غير طلبٍ لوقوع ما لا يطاق ممن لا يطيقه، كما سيأتي ذلك عند الكلام عليه بخصوصه، ولذلك قال ابن الحاجب فيما تقدم: إن القول بخلق الأفعال ومقارنة القدرة يؤدي إلى أن التكاليف كلها تكليفٌ بالمحال، قال: وذلك خلاف الإجماع.

ففي حكايته للإجماع هذا دِلالةٌ على أن من جوَّز ذلك جوَّزه في صورةٍ نادرةٍ، ومع نُدُور ذلك، فإنما خلاف المخالف فيه في تسمية ذلك الذي لا طلب فيه تكليفاً، كما أن من جوَّز تكليف من (٢) لا يفهم إنما أراد بذلك تنفيذ طلاق السكران، والاقتصاص منه إذا جنى، وإيجاب الأرش عليه والغرامة، وسمى ذلك تكليفاً له، ولم يُرِدْ أن الله أراد تفهيمه ما لا يفهم في حال سكره، فيجب على الوَرِعِ المتَّقي أن يَتَثَبَّت في النقل، ولذلك لم يجزم ابن الحاجب بنسبة تكليف المحال إلى الأشعري.

ومن ذلك كلام قطب الدين الشيرازي (٣) أحد أئمة المعقولات منهم، فإنه قال في شرح كلام ابن الحاجب المتقدم في بعض شبهة الراجح والمرجوح في نفي التحسين والتقبيح ما لفظه: وتوجيه الاعتراض الأول أن نقول: ما ذكرتم من الدليل تشكيكٌ في الضروريات، فلا يستحِقُّ الجواب، لأنا نُفرِّقُ بين الأفعال الاختيارية والاضطرارية بالضرورة، ونُدرِكُ أن أفعالنا اختياريةٌ.

ويمكن توجيهه بوجهٍ آخر: وهو دلالة البديهة على أن البعض ليس اضطرارياً مع استلزام دليلكم كون الكل كذلك. إلى آخر كلامه في شرح بقية الحُجَجِ الثلاث المقدمة.


(١) في (ش): اختاره.
(٢) في (ش): ما.
(٣) هو العلامة محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي قطب الدين الشيرازي الشافعي، ولد بشيراز سنة ٦٣٤، له " شرح مختصر ابن الحاجب "، و" شرح المفتاح " للسكاكي، و" شرح الكليات " لابن سينا، و" شرح الإشراق " للسهروردي، وغيرها، وتوفي سنة ٧١٠. انظر " طبقات السبكي " ١٠/ ٣٨٦، و" الدرر الكامنة " ٤/ ٣٣٩ - ٣٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>