للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا (١) الوجه الذي ذكره، وهو ورودُ صيغة الأمر من غير طلب الفعل المحال هو الذي أراد من جوَّز تكليف ما لا يطاق منهم، ولم يريدوا أن الله تعالى يريد به تنجيز وقوع ما لا يطاق في الخارج من العباد، وقواعد مذهبهم تمنع إرادة المحال، وذلك أنهم يعتقدون أن مرادات الله تعالى واقعة قطعاً، فلا يصح أن يريد المحال، لأن المحال لا يقع عندهم، ولأن الإرادة عندهم لا يصح تعلُّقُها بالمحال، بل لا تعلق من الممكن إلاَّ بالمتجدد كما مضى.

ولكن المعتزلة لما كان مذهبهم أن الأمر والإرادة متلازمان، ربما تَوَهَّمَ ذلك في خصومهم من ليس له تحقيق منهم في هذه المسألة.

وعند الأشعرية أن الأمر غير متلازم للإرادة، وقد تقدم تحقيقُ مذهبهم في ذلك في الكلام على الإرادة في مسألة الأفعال كما ذكر الشهرستاني، وقد وَضَحَ أنهم أرادوا تكليف ما لا يطاق ما لا إرادة فيه لتنجيز وقوع المحال، وهذا القدرُ هو القبيح عقلاً عند خصومهم، ولكن ادَّعَوْا في أحكامٍ مخصوصةٍ لا إرادة فيها لذلك أنها تُسَمَّى تكليفاً وذلك في صورٍ:

الأُولى: الحالة التي يُسمى العبد فيها عاصياً ومطيعاً ومعاقباً ومُثاباً، وإن لم يتمكن من الانفكاك عن الفعل بسبب اختياره وتورطه لأجله فيما لا حيلة له فيه، كالرامي لغيره إلى النار يَنْدَمُ ويتوب قبل وقوع المرمي فيها (٢)، ومثل من تَوَسَّطَ أرضاً مغصوبةً متعمداً، فإنه بخروجه عاصٍ، لا على أنه منهيٌّ عن الخروج كما تقدَّم تحقيقه في الفصل الذي ختمت به مسألة الأفعال، فإنه مذهب أبي هاشم ومذهب غيره من المعتزلة ومن غيرهم.

ومن هنا نُسِبَ تكليف ما لا يطاق إلى الأشعري، وهو منه بريءٌ، لكنه لما اعتقد أن اختيار المكلف لفعله يكون سبباً لخلق الله لفعله، اعتقد أن الأفعالَ المخلوقة مسببات لاختيار العبد، وأنه وإن لم يكن فيها مختاراً، فقد فعل سببها، فوقع باختياره أول الأمر فيما لا خيار له فيه، فهو معاقب أو مثابٌ على


(١) في (ش): " ومن ".
(٢) في (ش): " به فيها ".

<<  <  ج: ص:  >  >>