للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والترضية، والاستغفار، والتعظيم، وسائر حقوق المسلمين. وأجمع على ذلك مَنْ يشترِطُ العدالةَ في هذه الأمور ومن لا يشترِط، وإنما قلنا: إنهم أجمعوا على ذلك، لأن العمل عليه في جميع أقطار الإسلام في قديم الزمان من غير نكير من أحدٍ من المسلمين.

النَّظر الثالث: أنَّه قد ثبت أنَّ العاميَّ من الزُّرَّاع وغيرهم إذا احتاج إلى فتوى، ودخل مِصراً من أمصار المسلمين لِيستفتي، فإنه يسأل مَنْ يراه منتصباً للفتوى، ويرى الناسَ يأخذون عنه وإن لم يتقدم له خِبْرةٌ بحاله، ولا طولُ صحبة إلا مجرد ظنِّ عدالته المستندِ إلى كونه من أهل العلم، وأنَّ أهل العلم من أهل الدِّيانة في ظاهر الأحوالِ وغالبها، وكون الناس يستفتونه، ولو كان مِن أهل الفسوق والمعاصي ما كان بهذه المنزلة عند الناس، وهذا كافٍ للعاميِّ في معرفة عدالة المفتي. ولو أوجبنا على العاميِّ أن يُلازم المفتي أولاً، ويختبره في حَضَرِه وسفرِه ورضاه وغضبه، لخالفنا إجماعَ الأمة.

قال الإمامُ المنصورُ بالله -عليه السلام- في " الصفوة ": اعلم أن شروط الاستفتاء ترجِعُ إلى أصل واحدٍ: وهو أن يغلِبَ ظنُّ المستفتي أنَّ من يستفتيه من أهل الاجتهاد والعلم، ويحصل له هذا الظنُّ بوجوه:

أحدُها: أن يراه منتصباً للفتوى بمشهدٍ من أعيان الناس، وأخذِ الناس عنه، وأن يراه مِن أهل الدِّين بأن يرى سِمَاتِ الخير عليه ظاهرة، ويرى الجماعة مطبقةً على سؤاله، والأخذِ عنه، والفَزَع إليه، أو يعلمه أو يظنه من أهل الدِّين، ولكن صَرفَ الجماعةَ عن سؤاله بعضُ الصَّوارف.

وكذلك الشيخُ أبو الحسين، فإنه قال في" المعتمد " (١): شروطُ


(١) ٢/ ٣٦٣ - ٣٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>