للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا السُّؤال: فيُقال: هذه الحججُ مبنية على تحسينِ الظَّن بِحَمَلةِ العِلْمِ، والقولِ بأن المجروح نادِرٌ فيهم، وأنه إذا كان نادراً، فالحكم بالنادِرِ تقديمُ للمرجوح على الغالب الراجح، وتقديمُ المرجوح على الراجح ضروريُّ القُبْح، والتوقف أيضاً مساواة بين الراجح والمرجوح، والمساواة بينَهما على الإطلاق قبيحةٌ بالضرورة، لكن كونُ المجروحِ نادراً فيهم غيرُ مُسَلَّم، فإن وقوع الغيبة والحَسَدِ والمنافسة في الدنيا كثير فيما بينهم، والسَّالم من هذه الأشياء عَزِيْزٌ.

والجواب عن ذلك: أمَّا قوله: إن المجروحَ غيرُ نادرٍ فيهم، فهو بناء على أن كُلَّ مَنْ صَدَر منه فِعلٌ قبيح، فهو مجروحٌ، ومتى سُلِّمَ له أن العدالةَ هي تركُ جميع الذنوب والمعاصي، فالسؤالُ واقع، ولكن متى فسرنا العدالَةَ بهذه عزَّ وجودُهَا في جميع المواضع التي تُشْترَطُ فيها كعقدِ النكاح، والطَّلاقِ على السُّنَّة، والشهاداتِ في البيوع والحقوقِ والحدودِ، وقد دل الشرعُ على ما تبيَّن أن العدالة مرتبةٌ دونَ هذه المرتبة. وفي الحديث عن أبي هُريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " مَنْ طلبَ قَضاء المُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ، ثُمَّ غلبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ، فلَهُ الجَنَّةُ، ومَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ، فَلَهُ النَّارُ " رواه أبو داود (١)، وقال الحافظ ابن كثير: إسناده حسن (٢).

ولأنهم يُسَمَّوْنَ مسلمينَ ومؤمنين، وقد دَلَّ السمْعُ على قبولهم كما تقدَّمَ، وقد قال بذلك أبو الحسين، لأنَّه قال في " المعتمد " (٣) في تفسير لفظة العدْلِ -ما هذا لفظه- وتُعُورِفَ أيضاًً فيمن تُقْبَلُ روايتُهُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -،


(١) برقم (٣٥٧٥) ومن طريقه البيهقي في " سننه " ١٠/ ٨٨.
(٢) كيف وفي سنده موسى بن نجدة الحنفي اليمامي وهو مجهول كما في " التقريب ".
(٣) ٢/ ٦٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>