للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام وجميع الصحابة، فإنهم أقاموا في المدينة، والحكم فيها لمعاوية، وهذا حجةٌ على قول الشيعة والمعتزلة، وفي مذهب أهل الحديث فيه ما تقدم من نقل القرطبي، وكذلك علي بن الحسين وولده الباقر وزيد بن عليٍّ وحفيده جعفر الصادق وأمثالهم من الأعلام، وهذا حجة على قول الجميع، ولم يكن عذرهم في ذلك ما يتوهمه بعض الناس من العجز عن الهجرة، وعدم وجدان مهاجر، فهذا لا يكون أصلاً، وقد أخبر الله تعالى إن من يُهاجر يجد في الأرض مُراغماً كثيراً وسَعَةً، وردَّ الله على من اعتذر بهذا، حيث قال: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: ٩٧] وفي الأرض من شواهق الجبال وبُطون الأودية ما لا تصله الظلمة، والسكون فيها ممكن مقدورٌ، بل هو الذي عليه أهل الوَبَر، وفي الحديث الصحيح: " يُوشك أن يكون خير مال الرجل المسلم غنمٌ يتبع بها شَعَفَ الجبال ومواقع القطر، يفرُّ بدينه من الفتن " (١)، ولهذا، فإن القاسم ويحيى عليهما السلام لما اعتقدا وجوب ذلك أمكنهما.

ونص في " الأحكام " على وجوب الهجرة إلى مناكب الأرض وحيث لا يرى ظالماً، وأنه إذا كان له أولادٌ، ولم يقدر على المهاجرة بهم، تكسَّب لهم ما يكفيهم مدة معلومةً شهراً أو نحوه، ثم يخرج بنفسه ويهاجر حتى يعرف أن قُوتَهم قد فرغ، ثم يعود، فيتكسَّب لهم، هكذا نص عليه في " الأحكام " أو كما قال عليه السلام.

فلو ذهبنا نجرح من خالف المذهب، أو خالف الجمهور، لم يسلم من النفاق إلاَّ النادر، وذلك النادر أيضاً لا يروي عن من هو مثله، ألا ترى الهادي عليه السلام لا يمكنه أن لا يروي الحديث إلاَّ عن من هاجر من ديار الفاسقين، ولا يمكننا أن يكون بيننا وبينه عليه السلام مثله في الفضل والورع.

فثبت أن الإعانة للظلمة إذا وقعت ممن يستحلُّها، لم يجرح بها، سواءٌ


(١) أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري مالك ٢/ ٩٧٠، والبخاري (١٩) و (٣٣٠٠) و (٣٦٠٠) و (٦٤٩٥) و (٧٠٨٨)، وأبو داود (٤٢٦٧)، والنسائي ٨/ ١٢٣ - ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>