للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحدثين لأبَوْهُ، وما قطع به هُوَ الذي لا يَتَّجِه غيرُه في الأعصارِ المتأخرةِ، فإنه لو توقَّف العملُ فيها على الرِّواية، لا نسدَّ بابُ العمل بالمنقول، لتعذَّر شرطُ الرواية فيها على ما تقدَّم في النوع الأول -والله أعلم-. انتهي كلامُ ابن الصلاح.

وفي كتاب " المعتمد " (١) لأبي الحسين عن قاضي القُضاة ما يشهد لقوله: إنه يجوزُ لِلعالم الفَطِنِ بمواضع الأغلاطِ أن يقول فيما يَنْقُلُ: قال فلان، متى ظنَّ الصدق في ذلك، جازماً بنسبة القول إلى المصنف -وهذا لفظه في " المعتمد "- قال: وأمَّا ترجيحُ المُرْسَلِ على المسندِ، فلم يذهب إليه أكثرُ النَّاسِ، وذهب عيسى ابنُ أبان إلى الترجيح بهِ، لأن الثقة لا يُرسِلُ الحديثَ، ويقول: قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا وقد وَثِقَ أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قاله.

قال قاضي القُضاة: هذا الكلامُ إنما يتوجَّهُ إذا قال الرَّاوي: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما إذا قال: عن النبيِّ، فإنه لا يتوجَّه، وأيضاً فإن قولَ الراوي: قال النبي -عليه السلام- يَحْسُنُ مع الظن، لكونه قائلاً لذلك كما يَحْسُنُ مع العِلْمِ، فَمِنْ أين أنه لم يقل: قال النبيُّ، إلا وظنُّه آكد مِن الظن الحاصِل برواية المسند المعارض. انتهى.

وقد اختلف العلماءُ في جواز عمل القاضي بكتاب قاضٍ آخرَ إليه في حقوق المخلوقين مع ما فيها من التشديد الذي لم يَرِدْ في الرواية، فحكى الرَّيْمِي (٢) في " المعاني البديعة " عن الإمام مالكٍ، والحسنِ البصري،


(١) ٢/ ١٨٠ - ١٨١.
(٢) هو محمد بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي اليمني الريمي بفتح الراء بعدها ياء ساكنة =

<<  <  ج: ص:  >  >>