للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لم يُخالف في وجوب التأويل أحدٌ ممن يُعْتَدُّ به من جميع الفِرَقِ، وإنما يُنكره في بعض المواضع من يُخالفنا مدَّعياً أن الدليل الذي ألجأ إليه غير صحيحٍ، فالمنازعة في الحقيقة إنما هي في الأدلة الموجبة له، والله أعلم.

المرتبة الثانية: من مراتب الوجود، وهي أُولى مراتب التأويل: الوجود الحِسِّي، وهو ما تمثل (١) في القوة المُبصرة من العين مما لا وجود له خارج العين، فيكون موجوداً في الحسِّ، ويختص به الحاسُّ، ولا يشاركه فيه غيره إلا من تمثَّل له في قوة بصره مثله، وكذلك كل ما يشاهده النائم، وكل ما يشاهده المريض من ذلك، وكل ما يتمثَّلُه أهل الكشف مما لا وجود له في الخارج، إذ قد (٢) تتمثَّل لهم صورٌ لا وجود لها خارج حسهم (٣) حتَّى إنهم يُشاهدونه كما نشاهد سائر الموجودات، وذكر بعض أهل العلم أنه قد يتمثل للأنبياء عليهم السلام صورٌ في حال الصحة واليقظة على هذه الصفة من غير وجودٍ حقيقي، وينتهي إليهم الوحي والإلهام بواسطتها، فيتلقَّوْنَ منها في اليقظة ما يتلقاه غيرهم في النوم، وأهل الكشف من الصُّوفية يذكرون مثل ذلك في حال اليقظة والصحة.

وبالجملة، فهذا متفقٌ عليه في المنام وحال تغير العقل، مثل حال المرض (٤)، وأما في حال الصحة واليقظة، ففيه خلافٌ، ومن جوَّزه، احتج بأمورٍ:

أولها: قوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: ١١٦]، وقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إليه من سِحْرِهِمْ أنَّها


= أحمد أنه قال: المراد به: قدرته وأمره قال: وقد بينه في قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ}.
وانظر " فتاوى شيخ الإسلام " ١٦/ ٤٠٤ - ٤٠٦.
(١) في (ش): " يتمثل ".
(٢) في (ش): " وقد ".
(٣) " حسّهم " ساقطة من (ش).
(٤) في (ش): " المريض ".

<<  <  ج: ص:  >  >>