للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعلم التأويل وأمثالهما من العترة الطاهرة، وتفجرت عليك بحار علومهم، وتموَّرت أمواج معارفهم، وافتنُّوا في مغاصات التأويل العميقة، وخاضوا في غَمَرَات المجاز والحقيقة، إذاًَ لعرفت حينئذ من الرجال حق الرجال، واستيقنت أنا وأنت أمثال ربَّات الحِجال، ولقُلت لمن تعرض منا للدقائق، وادعى معرفة الحقائق، ورسوخ القدم في تلك المضايق:

أطرِقْ كَرا أطرق كَرا ... إن النَّعام بالقرى (١)

فإن قلت: إن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأحاديث توهم الناس التشبيه، وذلك لا يجوز.

قلت: الجواب من وجهين:


(١) قال البغدادي في " خزانة الأدب " ٢/ ٣٧٤ - ٣٧٥: البيت من الرجز أورده كذلك ابن الأنباري وابن ولاَّد، وأبو علي القالي والجوهري في " الصحاح " والصاغاني في " العباب ".
وأورده المبرد في " الكامل " والزمخشري في " مستقصى الأمثال " ص ٢٢١ هكذا: " أطرق كرا إن النعام في القرى " بناء على أنه نثر لا نظم، وصوابه: أطرق كرا مرتين كما نبه عليه البطليوسي فيما كتبه على " الكامل ". ومعنى البيت، قال ابن الأنباري والقالي: أغْضِ، فإن الأعزاء في القرى، والكرا: هو الكروان وهو طائر ذليل يقول: ما دام عزيز موجوداً، فإياك أيها الدليل أن تنطق ضربه مثلاً.
وقال ابن الحاجب في " الإيضاح ": " وأطْرِقْ كرا ": مَثَلٌ لمن يتكلم وبحضرته أولى منه بذلك، كأن أصله خطابٌ للكروان بالإطراق لوجود النعام، ويقال: إن الكروان يخاف من النعام.
وفي " العباب " للصاغاني: وأطرق: أرخى عينه ينظر إلى الأرض، وفي المثل:
أطرق كرا أطرق كرا ... إن النَّعام في القرى
يضرب للمعجب بنفسه، وللذي ليس عنده غناء ويتكلم، فيقال: اسكت وتوق انتشار ما تلفظ به كراهية ما يتعقبه.
وقولهم: إن النعام في القرى، أي: تأتيك فتدوسُك بمناسمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>