للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الواردُ في حديث الشفاعة في احتراق أبدانهم فيحتمل (١) أن يتخرَّج تأويله على ما صح من حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أمَّا أهلُ النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها، ولا يَحْيَوْنَ، ولكن أُناسٌ تُصيبهمُ النار بذنوبهم، فتميتهم إماتةً، حتى إذا صاروا فَحْمَاً أذن بالشفاعة (٢) جيء بهم ضبائر ضَبائرَ -أي جماعاتٍ- فَبُثُّوا على أنهار الجنة، فينبُتون نبات الحِبَّةِ تكونُ في حَمِيلِ " السيل "، والحِبة -بكسر الحاء- بزُور البقل. رواه مسلم في باب الشفاعة في كتاب الإيمان وهو في بعض نسخ " البخاري "، وهو الحديثُ الرابع عشر من مسند أبي سعيد من " جامع المسانيد "، ورواه أحمد بن حنبل في " مسنده " (٣) ومعناه متفقٌ عليه عند أهل كُتبِ الحديث، فإنهم اتفقوا على أن أهل النار من الموحِّدين يحترِقُون إلاَّ مواضع السُّجود من المُصلِّين، ثم يُلْقَوْنَ على أنهار الجنة وقد صاروا فحماً، وهذا يدل على موتِهم في النار، فإن أهل الخلود في النار كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها، ليذوقوا العذاب كما قال الله تعالى.

وروى الهيثمي (٤) ما يدلُّ على ذلك من غير طريق أبي سعيد، فقال: عن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أدنى (٥) أهل الجَنَّة حظّاً أو نصيباً قومٌ يُخرجُهُمُ اللهُ من النار، فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى أنهم كانوا لا يُشرِكون بالله شيئاً، فيُنْبَذُونَ بالعراء، فيَنْبُتُونَ كما ينبُتُ البقل، حتى إذا دخلت الأرواحُ في أجسادهم، قالوا: ربنا كالذي أخرجتنا من النار، ورَجَعْتَ الأرواح إلى أجسادنا، فاصرِفْ وجوهنا عن النار. قال: فيصرف وجوههم عن النار ". رواه البزار (٦) ورجاله ثقات.


(١) في (ف): " فيمكن ".
(٢) في (ش): " في الشفاعة ".
(٣) أخرجه أحمد ٣/ ٥ و١١ و٧٨ و٧٩، ومسلم (١٨٥)، وابن ماجه (٤٣٠٩)، وابن حبان (١٨٤)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٤) في " مجمع الزوائد " ١٠/ ٤٠٠ - ٤٠١.
(٥) في (ف): " أول ".
(٦) برقم (٣٥٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>