للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحالات، فإن طلبة العلم إذا وقَفُوا على مِثْلِ كلام " السَّيِّد " مع جلالة قدره، ومع قُصور هِمَمهِمْ، كان ذلك مُفَتِّراً لعزائمهم، مضعفاً لِهِمَمهِمْ.

الثاني: أن معرفة كتبِ الجرح والتعديل غيُر مشترطة في الاجتهاد عند جماهير العِترة ومنْ لا يحُصى من العلماءِ كثرة، لأنَّ أهلَ كُتُبِ الحديثِ من أهل البيت والمحدِّثين قد صَحَّحوا ما صنفوا، والعُهْدَةُ عليهم في ذلك، وهو المختارُ متى حصل الاتفاق في شروط التصحيح بين القابلِ له والمقبولِ منه، وإنما يحتاج إلى كُتُبِ الرجال عند الاختلاف في ذلك، أو في معرفة أحاديثِ المسانيد، كمسَند أحمد بن حنبل، ومسند الدَّارمي، ومسند بقي بن مَخْلَدٍ (١) وهو " المسند الكبير "، والمسند الكبير للحافظ الماسَرْجِسِي (٢)، وهمُا من أكبر دواوين الإسلام، فمسند الماسرجسي فرغ في ثلاثة آلاف جُزءٍ مهذَّباً معللاً يأتي في مقدار ثلاث مئة مجلد كبار على أعظم ما يكون من التعليل، ومسند بَقِي قريبٌ منه، وغير هذه من كتب المسانيد ما لا يُحصى كثرة، وكُلُّها تحتاج إلى كُتُبِ الرجال، لأن شرط أهلِ المسانيد أن يرووا الصحيحَ والضعيف،


(١) هو الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي الحافظ المتوفى سنة ٢٧٦ هـ. قال ابن حزم: كان إماماً زاهداً صواماً صادقاً، كثير التهجد، مجاب الدعوة، قليل المثل، مجتهداً، لا يقلد أحداً، بل يفتي بالأثر، روى في مسنده عن ألف وثلاث مئة صاحب ونيف، ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه، فهو مسند ومصنف، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث. بغية الملتمس ص ٢٤٥، وتاريخ علماء الأندلس ١/ ٩١ - ٩٣، و" سير أعلام النبلاء " ١٣/ ٢٨٥ - ٢٩٦.
(٢) هو الحافظ البارع أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عيسى النيسابوري المتوفى سنة ٣٦٥ هـ. قال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة ارتحل إلى العراق في سنة إحدى وعشرين، وأكثر المقام بمصر، وصنف المسند الكبير مهذباً معللاً في ألف جزء وثلاث مئة جزء، وجمع حديث الزهري جمعاً لم يسبقه أحد، وكان يحفظه مثل الماء، وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل وخرج على صحيح البخاري كتاباً، وعلى صحيح مسلم، وأدركته المنية قبل الحاجة إلى إسناده، ودفن علم كثير بدفنه تذكرة الحفاظ ٣/ ٩٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>