للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علاجهم (١) في هذا المقام مع اعتمادهم على ما هو دونها فيما يحتاجون إلى إثباته، فليعتمد المجادل لهم المُحِقُّ على معارضتهم بذلك، وسبقهم إليه، فلا يسند على المعاند (٢) منهم، ويمتنع (٣) من تسليم صحة الشُّبه التي يحتج بها، فيكون بذلك أولى منهم، وهذا حين اليأس من التناصف وظهور قرائن التعسُّف، وإن ظن الإنصاف استدل فأفاد واستفاد، ورَجَعَ ورُجِعَ إليه، هذا على أن المعتزلة قد أوجبوا على الله تعالى أن يُعِدَّ للقاتل المتعمد وسائر الظلمة من أعواضهم على الآلام في الدنيا وعلى المصائب ما يقضي عنهم حقوق المخلوقين في الآخرة ويقوم بذلك، وقطعوا على أنه يَقْبُحُ من الله أن يُميت ظالماً قاتلاً أو غيره كافراً أو مسلماً إلاَّ وقد عوَّضه من بلاويه بما يُرضي جميع خصومه، ويُوَفِّي بجميع ما عليه، فعلى قاعدتهم هذه يجب أن يأمن جميع الظلمة الجبارين، وقتلة الأولياء من المؤمنين العذاب على شيءٍ من حقوق المخلوقين، وإنما عُذِّبُوا في الآخرة في حق أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد} [غافر: ٥١] إلى غير ذلك من الآيات التي سقتُها في سبب ترجيح العقاب على العفو في الآخرة في حقِّ من حَقَّ عليه العذاب أو الخلود، وقولهم هذا عكس ما عُلِمَ من الدين من أن أعظم الخوف من حقوق المخلوقين، فكيف ساغ لهم لأنظارٍ عقليةٍ لا يدرون تُخطىء أم تُصيب القطع أنه لا يسوغ لغيرهم التجويز فكان قطعهم، مع بقاء الخوف في الدارين أن يُعِدَّ الله للمسلم دون الكافر فيما يختص بحق الله الغني الحميد دون حقِّ العباد وما يُكَفِّرُ ذنبه العظيم أو يدخله في واسع رحمة أرحم الراحمين الذي لا يتعاظمه عظيمٌ بعد الانتصاف للمظلوم، وانحسام موادِّ المفاسد هنالك في عفو الحي القيوم، لما ورد في ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلف هذه الأمة، أليس تجويز ذلك في فضلِ الله من غير تقبيح خلافه أيسر من إيجاب ما أوجبوه على الله تعالى وأمَّنوا فيه


(١) في (ش): " على الخصم ".
(٢) في (ف): " المعارض ".
(٣) في (ش): " ويمنع ".

<<  <  ج: ص:  >  >>