للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك من الفساد، فإنه سبحانه لم يؤمِّن أهل الفضائل لما في الخوف من مصلحة العباد، وقد قال تعالى فيمن عَبَدَه المشركون لفضله كعيسى والملائكة: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (٥٦) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: ٥٦ - ٥٧].

وقال تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: ٥٦].

وقال: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه} [الزمر: ٩].

بل قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: ٢٨].

وقال تعالى فيمن أثنى عليه في كتابه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: ٩٠].

وقال خليل الله عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين} [الشعراء: ٨٢]، ولم يقل: والذي يغفرُ لي، كما قال: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين} [الشعراء: ٧٩ - ٨١]، بل جَزَمَ في جميع هذه الأفعال، وجعل هذه المغفرة مرجُوَّةً لا مقطوعةً مع رفيع منزلته عند الله، ومع عظيم رجائه، حيث قال: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٦]، فكذلك فليكن العلماء.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج: ٢٧ - ٢٨]، فخَوَّفَهم سبحانه لصلاحهم، كما أنه لم يُقَنِّطِ المسرفين من رحمته لما في القنوط من الفساد أيضاً، فإن الخوف والرجاء جَنَاحَا العمل، ولا يقوم الطائر إلاَّ بجناحيه مع الأكثرين، ومتى عُدِمَ أحدُهما كان القنوط أشدَّ فساداً، ولذلك لم ينتقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عمله ولا مناقبه بعد غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر من ذنبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>