للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحُسْنِ عاقبته يمنع إرادته لما يضادُّ ذلك، والسِّرُّ في ذلك أن الإرادة لا تضادُّ العلم، كما سيأتي مبيناً في مسألة الإرادة، وهو معلومٌ على الجملة، فإن العاقل يعلم أنه لا يريد وقوع ما يعلم (١) أنه لا يقع، فعلام الغيوب لمّا عَلِمَ أن المؤمنين الداخلين النار من أهل الجنة المُكرمين في عاقبة أمرهم، لم يمتنع أن يمنعه علمه بذلك من إرادة خِزيهم بوقوعهم في النار إلاَّ لتحلة القسم، وصِدْقِ الوعيد، كما ورد في الصِّحاح في بعضهم، أو لتطهير ما بَقِيَ فيهم من خُبْثِ الطِّباع، لأنه لا يصلُحُ لدخوله دار السلام من بقي فيه شيءٌ من ذلك، كما قال تعالى فيما روي عنه سبحانه أنه يقول: " هم عبادي إن أحسنوا، فأنا حبيبهم، وإن أساؤوا، فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأُطهِّرَهم من المعايب (٢)، والنار آخِرُ المطهِّرات، فمن لم يتطهَّر في الدنيا بالتوبة والإنابة والطاعة يطهر في الآخرة ويخلص بالنار، كما يخلصُ خَبَثُ الذهب بالنار، لا ليُهان ويَخزَى، وليس يجب إذا استووا في أمر واحد وهو دخول النار أن يستووا في كل أمر كالخلود والإهانة وعدم الرحمة، ألا تراهم في الدنيا قد استووا في الموت والفناء، وجعل الله ذلك لبعضهم عقوبة ونكالاً وهلاكاً، كما قال تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [المرسلات: ١٦ - ١٨]، في آياتٍ كثيرةٍ جداً في هذا المعنى، وجعل الله أمثال ذلك رحمةً لأهل الإسلام، كما ورد في الطاعون أنه شهادةٌ (٣) وورد الثناء على هذه الأُمَّة بأن أكثر هلاكهم بالطعن والطاعون (٤).


(١) في (ف): " علم ".
(٢) يغلب على ظني أنه لا يصح، فلم أجده في مصادر الحديث التي بين يدي.
(٣) أخرج البخاري (٢٨٣٠) و (٥٧٣٢)، ومسلم (١٩١٦)، وأحمد ٣/ ١٥٠ من حديث أنس مرفوعاً: " الطاعون شهادة ".
(٤) أخرج أحمد ٤/ ٤١٧، والبزار (٣٠٣٩) و (٣٠٤٠)، والطبراني في " الكبير "، و" الأوسط " (١٤١٨)، و" الصغير " (٣٥١) من حديث أبي موسى الأشعري: " فناء أمتي بالطعن والطاعون "، وصححه الحافظ في " الفتح " ١٠/ ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>