للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعة أن يُقال: قُتِلَ مِن أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، ومن المشركين كذا وكذا، وبذا جرى عَمَلُ المؤرِّخين والإخباريِّين، يقولون في أيَّام صِفِّين: قُتِلَ من أصحاب عليٍّ كذا، ومن أصحاب معاوية كذا، ولا يَعْنُونَ بأصحابِ عليٍّ من لازمه، وأطال صحبتَه، بل من قائل معه شهراً، أو يوماً، أوَ ساعة. وهذا شيء ظاهر لا يستحق مَنْ قال بمثله الإنكار.

ومن ذلك أصحابُ الشافعي، وأصحابُ أبي حنيفة، وأصحاب النَّصِّ، وأصحابُ الحديثِ والفقه، وأصحابُ الظاهر، يُقال هذا لمن لم ير الشافعيَّ، ولا يصحبُه قليلاً ولا كثيراً لملابسة ملازمة المذهب، ولو دخل في مذهب الشافعيِّ في وقتٍ، لقيل له في ذلك الوقت: قد صار مِن أصحابه، من غير إطالة ولا ملازمة للقول بمذهبه، وكذا (١) تسميتُه -عليه السلامُ- صاحبَ الشفاعةِ قبل أن يَشْفَعَ هذه ملابسة بعيدة، وكذا أصحابُ الجنة قبلَ دخولها، وأمثال ذلك. وكذلك سائرُ هذه الأشياء مما أُجْمعَ على صحته. كُلُّ هذا دليل على أنَّ اسمَ الصحبة يُطلق كثيراً مع أدنى ملابسة، والأمرُ في هذا واسع، وهي لفظة لغوية، والاختلاف فيها على أُصولنا أهونُ من الاختلاف في الفروعِ الظنيَّة التي كُلُّ مجتهدٍ فيها مُصيب (٢)، لأنَّ


(١) في (ج): وكذلك.
(٢) اختلف العلماء في الواقعة التي لا نص فيها على قولين، أحدهما: أنه ليس لله تعالى فيها قبل الاجتهاد حكم معين، بل حكم الله تعالى فيها تابع لظن المجتهد، وهؤلاء هم القائلون بأن كل مجتهد مصيب، وهم أبو الحسن الأشعري، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وجمهور المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة، قال في " جمع الجوامع " وشرحه: والصحيح وفاقاً للجمهور أن المصيب فيها واحد، ولله تعالى فيها حكم قبل الاجتهاد، قيل: لا دليل عليه، بل هو كدفين يصادفه من شاء الله، والصحيح أن عليه أمارة، وأنه، أي: المجتهد مكلف بإصابته، أي: الحكم لإمكانها، وقيل: لا لغموضه، وإن مخطئه لا يأثم، بل يؤجر لبذله وسعه في طلبه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>