للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البخاري، تشتمل على ذكر هذه الألفاظ، وتدل على شُهرةِ الحديث والله أعلم.

وفي أحاديث الشفاعة الصِّحاح، ما يعضُدُ هذا المعنى، وهو أن الله تعالى إذا أراد انقطاع الشفاعة بعد خروج من أراد خروجه من النار غيَّرَ خلوق أهل النار، وصورهم، حتى لا يعرف أحدٌ من الشافعين أحداً من المعذَّبين، وفي هذا صيانةٌ لهم عن أن يشفعوا، أو لا يُشَفَّعُوا، وعن أن يستغيث بهم من عرفوه، فلا يُنقذوه، فإذا جاز وأمكن من كرامة إبراهيم عليه السلام ألا يخزى بتعذيب من أصرَّ على الكفر، لأجل القرابة حتى غيَّرَ خلق ذلك الكافر تغييراً بعيداً (١) لا يُعرفُ معه، فمن أين يمتنِعُ ويستحيل أن يكون الخِزيُ أبعد كل بعيدٍ، وأسحق كلَّ سحيقٍ عن محمدٍ الشفيع المقبول بإنقاذه لبعض من آمن به من النار، وإكرامهم بما يسعى بين أيديهم، وبأيمانهم (٢) من الأنوار، كرامة لنبيهم المصطفى المختار - صلى الله عليه وسلم -، آناء الليل، وأطراف النهار، وعلى آله الطيبين الأطهار.

وإنما قلنا لبعض من آمَنَ به لما وردَ في حديث الشفاعة الصحيح: " أن الله تعالى يُخرجُ الطائفة الرابعة من النار برحمته، لا بالشفاعة " والله أعلم.

ومما احتجت به المعتزلة: قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٥ - ٣٦].

والجواب من وجهين:

أحدهما: أنا لم نقل: إن الإسلام ضدُّ الإيمان، بحيث لا يجتمعان قطعاً، وإنما تصلحُ الآية حجة على من قال ذلك، وإنما قلنا: إنهما مختلفان، يجوزُ اجتماعُهما، ولا يجب، ويجوزُ افتراقهما ولا يجب أيضاً، وما هذا حاله، لا يلزم من اجتماعهما (٣) المماثلة ولا الاتِّحاد، كما هو حكم المختَلِفات عندَ جميعِ النُّقَّاد.


(١) " بعيداً " ساقطة من (ف).
(٢) في (ش): " وعن أيمانهم ".
(٣) في (ف): " اجتماعه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>