للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستضعفته، يريد الذي يتضعفه (١) الناس ويتجبرون عليه وهذا يقتضي أنه بفتح العين.

وكلام ابن حجر أرجح، لأنه أحفظُ لضبط الحديث، وأكثرُ عناية بذلك، ولأن كلامه أنسبُ بمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لو أقسمَ على الله لأبرَّهُ "، لأنها فضيلةٌ تُناسِبُ الأفعال الاختيارية.

ولكلام ابن الأثير وجهٌ أيضاً، وهو أنه يقع معه (٢) مجموع الضعف.

والاستضعاف ذوقُ الافتقار إلى الله تعالى، فيحمله على الالتجاء إلى الله تعالى بذَوْقِ الضرورة إلى ذلك، وذلك أقرب أحوال العبد إلى الله تعالى، وهو سبب فضيلة الفقر والمصائب والضرورات. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام: ٤٣]، فجعل التَّضرُّع سبباً للنجاة بعد مجيء بأس الله، والضرورات تستلزمه، فإن الغنى والعافية يسلُبان ذوق الافتقار إلى الله، ويجد صاحبها في قلبه (٣) برد الغنى، وكفاية الاستغناء، فيغفل عن التضرع، ولا يذوق طعم الافتقار، فيبعد بذلك عن الله تعالى، وإن ذَوْقَ الافتقار والإقبال على الله تعالى في طلب كشف الضرورات، وقضاء المهمات خيرٌ للعبد من مطلوبه الذي طلبه، وإنما الضرورات للعبد كالسَّوط للدَّابَّة.

ويؤيد هذا المعنى الذي ذكره ابن الأثير حديث: " رُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه ". رواه مسلم عن أبي هريرة (٤). وروى الحاكم (٥) في تفسير سورة القلم من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمعه


(١) في (ف): " يستضعفه ".
(٢) في (ش): " مع ".
(٣) " قلبه " ساقطة من (ش).
(٤) مسلم (٢٦٢٢) و (٢٨٤٦) " وابن حبان (٦٤٨٣).
(٥) ٢/ ٤٩٩، وزاد نسبته السيوطي في " الدر المنثور " ٨/ ٤٩ إلى ابن مردويه.

<<  <  ج: ص:  >  >>