للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منسوخ، أو ما في معنى ذلك، أو إلى إجماع أو إلى معرفة التاريخ. وهذه الأمورُ قليلٌ اتفاقها بنقل العدل عن العدل، وأمَّا قولُ الراوي: هذا ناسخ أو منسوخ، فقد ضَعَّفوه، وهو أكثرُ ما يتفق".

أقول: السَّيِّدُ في هذا الأصل لَيَّن من عريكة شِدَّته، وفتَّر من سوْرَةِ حِدَّتِه، فلم يدَّعِ أنَّ معرفةَ المنسوخ متعذِّرة، ولا تشكَّكَ في ذلك، واكتفي بمجرد التعسيرِ، ودعوى الصعوبة.

والجواب عليه: أنَّا نصبر على تلك الصُعوبة، ونتواصى بالصَّبر كما وصف اللهُ المؤمنين، ونسأل السَّيِّد أن يصْبِرَ على كتم ما في نفسه من التألُّم العظيمِ لنا حين تعرضَّنا لذلك، فإنَّ مِثْلَ هذا الكلام لا يُجاب إلا بمثل هذا الجواب، إذ كان الاحتجاجُ بمجرَّد الصعوبة مما أسلفنا القول في بعده عن أساليب العلماء، وخروجِه عن عادات الحكماء، ولا بُدَّ من الإشارة إلى نكتة لطيفة في الجواب، وهي أنَّ عمود الاحتجاج في هذا الفصل هو قولُه: وهذه الأمورُ قليل اتفاقُها.

والجواب: أنَّه يسْهُلُ بهذا الاجتهادِ، لأنَّ طُرُق النسخ بِقلَّتها يَقلُّ النسخُ، وإذا قلَّ، سهُلَ العلم به، لأنَّ معرفة القليل أسهلُ من معرفة الكثير بالضرورة، وإنَّما قلنا: إنَّه يَقلُّ، لأن ما لا طريق إلى معرفته من المنسوخ وسائِر الأحكام لا يقع التكليفُ به. وقد قدَّمنا أنَّ تكليف المجتهد هو الطلبُ حتى لا يجد، وليس تكليفُه العلم بأنَّه لا نصَّ إلا ما أحاط به عِلْمُه، ووعاه قلبُه.

ثم إنَّا نقول قد قدَّم السَّيِّد تعسيرَ النقل عن العدول بكلام عامٍّ يدخل تحته المنسوخ، ولم يكن محتاجاً إلى إعادة الكلام في المنسوخ على انفراده، وكذلك قد قدَّمنا الجوابَ عليه هنالك بما يدخل تحتَه الجوابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>