للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسدِ خِيارِ الناس، ولذلك قيل:

إنَّ العَرَانِينَ تَلَقَاهَا مُحَسَّدَة ... وَلَنْ تَرَى لِِلِئامِ النَّاسِ حُسَّادَا (١)

والحاسدُ يفتري على المحسودِ، فلو قُبِلَ كُلُّ قَدْحٍ مِنْ غيرِ تثبُّتٍ، لبلغ الشيطانُ وجنودُه أغراضَهم في أهلِ المراتب الرفيعةِ مِن العلماءِ، والصَّالحين، وحَمَلَةِ العلم، وَنَقَلَةِ الآثار. فكيف يجوز أن يُصَدَّق على ابنِ أبي الحديد والإِسكافي أن يُجَرِّحُوا عُيُونَ السَّلَفِ الصالح برواياتٍ لم يُصحِّحُوا منها واحدة، ولا أوضحوا لها طريقاً يعلم براءتها مِن دسيسِ الملاحدة؟!.

وقد ذكر شيخُ الإِسلام ابنُ تيمية (٢) أنَّ الذي وضع هذه الأشياءَ يهوديٌّ أظهرَ الإسلامَ وافتراها، بل صَحَّ عن ابنِ مسعود: أنَّ الشَّيطانَ يتصوَّرُ في صورة الآدَمِيِّ فيحدّثُ بالأكاذيب. رواه مسلم (٣). وله شاهد أو شواهد مرفوعة


(١) البيت غير منسوب في " أساس البلاغة " ص ١٢٦، وجاء في " عيون الأخبار " لابن قتيبة ٢/ ٩: قيل لسفيان بن معاوية: ما أسرع حسد الناس إلى قومك! فقاله إن العرانين ... وعرانين القوم: وجوههم وساداتهم وأشرافهم، مأخوذ من عرنين الأنف: وهو ما تحت مجتمع الحاجبين، وهو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم.
(٢) هو تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني المتوفى سنة ٧٢٨ هـ، وصفه تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي المتوفى سنة ٧٤٤ في " مختصر طبقات علماء الحديث " الورقة ٢٧٤ فقال: شيخنا الإمام الرباني إمام الأئمة، ومفتي الأمة، وبحر العلوم، سند الحفاظ، وفارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، وقريع الدهر، شيخ الإسلام، قدوة الأنام، علامة الزمان، وترجمان القرآن، علم الزهاد، وأوحد العباد، قامع المبتدعين، وآخر المجتهدين ..... نزيل دمشق، وصاحب التصانيف التي لم يسبق إليها. وقد ترجمه غير واحد من الأعلام، وأثنوا عليه، ووصفوه بشيخ الإسلام، جمع ذلك كله ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه " الرد الوافر" وهو مطبوع فليرجع إليه.
(٣) في مقدمة " صحيحه " ١/ ١٢ رواه من طريق أبي سعيد الأشج، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، قال: قال عبد الله: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه، ولا أدري ما اسمه يحدث.

<<  <  ج: ص:  >  >>