للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي الحديد، فلمِ يجد فرقاً بَيِّناً بَيْنَ السَّبِّ المباحِ عند الإِكراه وبينَ البراءةِ عند الإِكراه حتى نَسَبَ إِلى المعتزلةِ عدمَ الفرق بينهما. وقد ذكر في شرح كلامه هذا خلقاً كثيراً مِن صالحي السَّلَفِ بالتحامل على أميرِ المؤمنين، وهذا الفرقُ الذي ذكرتُهُ هو الذي لا يُمْكنُ سواه كالبراءةِ من الله ورسولِه باللسان دون القلب ولأن من سَبَّ، ولم يتبرأ بلسانه يقع في المخوف، وقد أشار إلى هذا أميرُ المؤمنين عليه السلام في رواية الحاكم (١) فإنه خرج هذا في تفسير سورة النحل من طريقين، أحدهما: طريق أبي صادق الأزدي عن علي عليه السلام وفيها أنَّه عليه السلامُ تلا بعدَ كلامه هذا {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] وقال: صحيح الإسناد (٢).

قلت: وأبو صادق مِن رجال ابن ماجة، وثَّقه يعقوب بن أبي شيبة، وقال ابن سعد. يتكلمون فيه، وقيل: إنَّه لم يلق علياً عليه السلام، وذكر الحاكم الطريق الثاني عن الحِمَّاني عن ابن عيينة عن عبد الله بن طاووس، عن أمية، ولم يصححها أحسبه للانقطاع (٣)، فإنه لم يذكره المزي في الرُّواة عن علي عليه السلام، فإن صح عنه وعن بعضهم ممن يَجبُ حملُه على السلامة فالوجه فيه ما ذكرنا، ولعل الشيخ قد نبه على ذلك بإيراده له في شرح قَوله عليه السلام: فأما السَّبُّ فَسُبُّوني، وأما البراءة فلا تبرؤوا


(١) في " المستدرك " ٢/ ٣٥٨، ولفظه قال علي -رضي الله عنه-: إنكم ستعرضون على سبي فسبوني، فإن عرضت عليكم البراءة مني، فلا تبرؤوا مني، فإني على الإسلام، فليمدد أحدكم عنقه ثكلته أمه، فإنه لا دنيا له ولا آخرة بعد الإسلام، ثم تلا {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}.
(٢) ووافقه الذهبي على تصحيحه.
(٣) قال الذهبي في " المختصر " ٣/ ٣٥٨ يحيى بن عبد الحميد الحماني ضعيف سمعه منه عبيد منقذ البزار ولا أدري من هو.

<<  <  ج: ص:  >  >>