للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آلافِ حديث مُزَوَّرَة، فقيل له في ذلك، فقال: لأجلِ إذا مَرَّ بي حديثٌ في الأحاديث الصحيحة منها (١) فليتُه فلياً.

إذا عرفتَ هذا، فلا ريبَ أن الإمام أبا حنيفة كان أضعف الأئمة حديثاًً (٢)، وذلك لأمرينِ أحدُهما: قبولُه المجهول، وثانيهما: كِبَرُ سِنِّهِ فإنه ما طلب العلم إلا بعدَ أن شاب وأسن، وقد كان الحافظ المشهور بالعناية في هذا الشأن إذا شاخ وأسنَّ، تناقص حفظه، وقلَّّ ضبطُه، فكيف ممن لم يَطْلُبِ العلمَ إلَّا بعد (٣) مجاوزةِ حدِّ الكهولة، وهذا نقصانٌ عن مرتبة الكمالِ لا سقوطٌ إلى مراتبِ الجهال، ولا نكارةَ في ذلك، وما زال النَّاسُ متفاضِلِينَ في الحفظ والإتقان.

وقد كان حديثُ الشافعي دونَ حديث مالكٍ في الصحة، ورأيُ الشافعي فوقَ رأيِ مالكٍ في القوة.

وقد كان حديثُ ابن المسيِّبِ، ومحمد بن سِيرين، وإبراهيم النَّخَعِي أصحَّ وأقوى من حديثِ عطاء، والحسن، وأبي قِلابة، وأبي العالية، وكان ابن المُسيِّب أصحَّ الجماعةِ حديثاًً من غير قدح في عِلْمِ مَنْ هو دُونَه.

وليس الحفظُ على انفراده يكفي في التفضيل، فقد كان أبو هريرة رضي الله عنه أحفظَ الصحابة على الإِطلاق، وليس يقال: إنَّه أفقههم على الإِطلاق، والمناقبُ مواهبُ يَهَبُ اللهُ منها ما شاء لمن شاء، فبهذه الجملةِ تبين لك أنه لا حُجَّةَ على تجهيل هذا الإِمام الكبيرِ الشأنِ بروايته عن بعض الضعفاء، ولا بقوله: " بأبا قبيس ".


(١) لفظ " منها " من (ب) و (ش).
(٢) انظر ما كتبه اللكنوي في " التعليق الممجد " ص ٣٠ - ٣٤، فإنه نفيس.
(٣) لفظ " بعد " من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>