للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه قال: إن التيمُّم غيرُ مشروع للجنب، ورُوجِعَ في هذا، واحْتُجَّ عليه بالحديثِ والآية، فقال: لَوْ رخَّصنا لهم في هذا لكان يوشِكُ أن يتيمم أحَدُهُم مِن بردِ الماء (١).

فكان يلزم على كلام السَّيِّد أن يكون للمُتَعَنِّت سبيلٌ إلى جرح كثيرٍ من الثقات لمجرد سُوءِ الظن، والهجوم بغيرِ علم، وأنه يلزمنا أن نسكت لمن قال ذلك، لأنَّه أخبر عن علم ضروري أو عن ظنٍّ حَصَلَ بقرينة صحيحة، وأبو حنيفة، وأبو العباس وابنُ مسعود وغيرُهم غيرُ معصومين مِن تَعَمُّدِ الباطل، وكذلك يمكن المتعسف على أصله أن ينسب إلى المعتزلة والفقهاء تَعَمُّدَ الباطل حيث أنكروا تقديمَ علي عليه السلامُ في الإمامة، واختصاصه بها مع ما لهم مِن الذكاءِ العظيم، ومع مخالطتهم لكثيرٍ من أهل البيت، وبيان أهل البيت للأدلة، ومضي الزمان الطويل على ذلك، بل يُمكن تكلفُ تعمد الباطل لأكثر العلماء، فمن الذي لم يُنْقَدْ عليه قولٌ ضعيف، ولِهذا قيل: كُلُّ أحدٍ يؤْخَذُ من قوله وُيتْرَكُ إلا رسولَ الله


(١) في " المصنف " (٩٢٢) من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، قال: لو أجنبت ولم أجد الماء شهراً ما صليت. قال سفيان: لا يؤخذ به، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" ١/ ١٥٧ من طريق محمد بن فضيل، عن مغيرة عن إبراهيم النخعي، قال: قال عبد الله: إذا كنت في سفر، فأجنبت، فلا تصل حتى تجد الماء، وإن أحدثت فتيمم ثم صل. وفيه من طريق أبي معاوية، عن الأعمش عن شقيق قال: كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً كيف يصنع بالصلاة؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً، فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكو إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد.
وقد جاء ما يدل على إنَّه رجع عن قوله هذا، ففي مصنف ابن أبي شيبة ١/ ١٥٧، ومصنف عبد الرزاق (٩٢٣) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي سنان، عن الضحاك أن ابن مسعود رجع عن قوله في الجنب أن لا يصلي حتى يغتسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>